سالي مشالي
الإنترنت.. «خاطبة إلكترونية» توقع في النصب والخداع



القاهرة - سالي مشالي
بعد ارتفاع معدلات العنوسة على مستوى الدول العربية كلها وضيق فرص ومجالات التعارف بين الراغبين في الزواج، لجأ عدد من الشباب والفتيات إلى شبكة الإنترنت كوسيلة للتعارف.
فأصبح النت يقوم بدور الخاطبة الإلكترونية سواء عن طريق الشات أو المنتديات أو مواقع الزواج التي تلقى رواجاً وأعدادها في ازدياد. وقد نجحت بعض الزيجات بهذه الطريقة ولكن عدد التجارب الفاشلة كان أكبر بكثير. حتى إن الأمر لم يتوقف عند الفشل فحسب بل تعداه إلى المرور بحالات نصب مادية ومعنوية.
ولا يوجد حتى الآن إحصائيات للحالات التي نجحت في الزواج عبر الإنترنت وعدد الحالات التي فشلت في ذلك، مع الوضع في الاعتبار أن الزواج ليس هدفاً في حد ذاته ولا المعيار الأهم، إنما النجاح في الاستمرار فيه بسعادة وراحة ورضا.

ولعل حادثة «دنجوان النت» التي أثارت الجدل في مصر هي أكبر دليل على المخاوف المرتبطة بعلاقات الإنترنت، حيث استطاع المتهم النصب على عدد من الفتيات والسيدات بدعوى نيته في الزواج منهن. فبعد أن تعرف على عدد لا بأس به من الفتيات العازبات عبر النت، وارتبط بهن بعلاقة «إلكترونية» لم تخلُ من الكلام المعسول والوعود المؤكدة، ادعى مروره بضائقة مادية ليحصل من كل منهن على عدة آلاف من الجنيهات.. وهكذا نصب عليهن وأخذ مبالغ مالية كبيرة مقابل وعد بالزواج لم يتحقق ... وإذا كان قد تم القبض على الفاعل في هذه القضية، فهناك العديد من الحالات التي لم يتمكن أحد من العثور على من يديرها أو يرتكبها.

الرجال أيضاً مخدوعون..

واللافت في هذه القضايا أن النصب لا يحصل دائماً من الرجال تجاه النساء، ولكن في أحيان كثيرة، وبعد أن يفقد الرجل الأمل في العثور على فتاة أحلامه، يلجأ إلى النت لعله يجد عن طريقه حلاً شافياً، فيقع فريسة بين أيدي إحدى الفتيات محترفات النصب عن طريق الإنترنت. فإما أن تحصل منه على أموال أو توهمه بقدرتها على توفير عقد عمل له بالخارج أو بإقامة في أميركا أو هجرة إلى أوروبا، وبالطبع يرسل لها مبالغ من أجل التأشيرة وإنهاء الإجراءات، وينهي أعماله، ويفسد حياته، ليكتشف في النهاية أنه كان يجري وراء سراب. ولعل قصة المهندس خالد حسين خير دليل على ذلك..
فقد تعرف خالد على فتاة جزائرية في إحدى غرف الدردشة، وطال بينهما الحديث حتى اقتنع كل منهما أنه يُحب الآخر وأنه لا حياة له دون الطرف الآخر. وأخبرته الفتاة أنها تعيش في فرنسا، لكنها تتمنى أن تلتقي به أثناء زيارتها لأهلها بالجزائر ليتعرف عليهم، مؤكدة له أنه لا يمكن أن يزورها هو في فرنسا نظراً لصعوبة حصوله على تأشيرة. فوافق خالد، ودفع تكاليف السفر من تأشيرة وتذكرة وخلافه، وتجشم عناء السفر ليصل إلى الجزائر ويكتشف بالتدريج أن فيلا والد الشابة الفاخرة التي أخبرته عنها ليست إلا شقة من 68 مترا، ومنصبه المميز هو مدير بإحدى المصالح الحكومية، أما إقامتها في فرنسا فليست حقيقية، وإنما سافرت إلى هناك خلال الصيف في محاولة للبحث عن عمل. وأكثر من ذلك، اتضح له أن صورتها التي أرسلتها له كانت قد أدخلت عليها الكثير من التعديلات. وعاد خالد من الجزائر بخفي حنين، وخسارة مادية ومعنوية من الصعب أن ينساها.

فتى الأحلام

ولم تكن الحال مع منال -الحائزة على بكالوريوس في الإعلام- أفضل بكثير.. فقد تعرفت على فتى أحلامها عبر أحد المنتديات، وهو طبيب ناجح يعمل في أحد الدول العربية. وبعد شهور عديدة من التعلق القلبي به حتى أصبحت لا تفارق جهاز الكمبيوتر، أخبرها أنه سيعود إلى القاهرة خصيصاً ليتقدم لخطبتها.. والسعادة الفائقة التي غمرتها عندما تم تحديد موعد الزيارة، سرعان ما تبددت بعد أن رأت أنه أكبر سناً مما أخبرها، مما أثار ريبة والديها اللذين تأكدا أيضاً بعد التحري عنه أنه متزوج ولديه ثلاثة أطفال ... وبعد مواجهته بهذه الحقائق، برر كذبه بحرصه عليها وإصراره على إتمام الزواج، وهو ما رفضه والداها بحزم. هكذا صُدمت منال مرتين، الأولى عندما علمت أنه خدعها وأخبرها بمعلومات غير صحيحة، والثانية لرفض أهلها له رغم تجاوزها الصدمة وموافقتها عليه..

الشهود هنود
قصة أخرى عجيبة وفريدة من نوعها عاشتها الزوجة أماني، الحاصلة على بكالوريوس في الآداب. فقد كانت تعيش مع زوجها في إحدى الدول العربية، وفي ليلة وجدت زوجها يتحدث مع امرأة أخرى على الإنترنت بكلام فاضح، هو الذي كانت تظنه ملتزماً دينياً. وبعد أن عجزت عن إخفاء ذهولها، أخبرها بأن التي يكلمها هي سيدة لبنانية تعيش في بيروت، وأنه قد تزوجها. فتعجبت أماني بشدة من الأمر لأنها وزوجها لم يفترقا على مدى عدة سنوات، فكان جوابه ببساطة هو أنها كتبت له على الماسينجر: «زوجتك نفسي»، فأجابها: «قبلت زواجك»، ثم خرج إلى الطريق فأحضر اثنين من العمال الهنود (ولعلهم لا يعرفون العربية) فقرؤوا المكتوب على الجهاز واعتبر بهذا أنهم شهدوا على عقد الزواج الذي يظن أنه أبرمه.. فثارت الزوجة على هذا التعدي على الدين وعلى الإهانة الشخصية التي تعرضت لها، وعادت إلى بلادها طالبة الطلاق، فطلقها زوجها، وسافر إلى لبنان ليتزوج المرأة التي كان يظن أنه متزوج منها، والتي تكبره بخمس عشرة عاما..
الوجه الآخر.

وللأمانة، لا بد من ذكر الوجه الآخر والإيجابي أحياناً للتعارف عبر الإنترنت. فالمحامي محمد خطاب والصيدلانية أمل عادل نجحا من خلال حديثهما عبر أحد المنتديات الجادة في أن يتفهما شخصيتا بعضهما البعض، وأن يتخذا خطوة الزواج وهما متفائلان في قدرتهما على عيش حياة سعيدة ومستقرة، وهذه القصة ليست الوحيدة الناجحة، وإن كانت مثيلاتها قليلة.

ويبرر أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق د. حامد الهادي لجوء الشباب وأحياناً المطلقين من كبار السن أو الأرامل إلى الإنترنت للبحث عن شريك للحياة بسبب ظروف المجتمع الحالية القاسية والعلاقات الأسرية والعائلية المتباعدة، ومع دخول مفاهيم غربية، فالفتاة من الأسرة الأصيلة والمحترمة قد لا تجد فرصة زواج جيدة لأنها لا تستطيع عرض نفسها أو التودد لأي شاب، بينما الفتاة التي تجاوزت كل القيم تستطيع أحياناً الحصول على زيجة ممتازة وعريس مميز لأنها استطاعت أن «تزغلل» عينيه بملبسها وطريقتها المبتذلة، ولم يعد الشاب يبحث عن الأصل والفصل ولم تعد الأسر تستطيع التحكم في هذا الأمر. فالفتاة التي تستطيع التأثير على الشاب تحصل عليه.

ورغم هذا، لا يرى د.الهادي بأساً في أن تتعرف الفتاة على أحد الشباب عبر الإنترنت، على أن تحافظ في الوقت ذاته على أخلاقها وقيمها، ولا تقبل أن تتنازل أبداً حتى لو كان هذا التنازل في الكلام، ثم تطرح هذا العريس على أسرتها وتترك لهم الحق في أن يسألوا عليه ويوافقوا أو يرفضوا حسب المعلومات التي سيتمكنوا من الحصول عليها عنه.

ويتفق على هذا الرأي أيضاً رئيس قسم علم النفس بجامعة الأزهر د. هاشم البحيري، فيما يتعلق باستخدام الإنترنت كوسيلة لعلاج وحل مشكلة العنوسة، مؤكداً أن التعارف عن طريق الإنترنت يجب أن يعتبر كخطوة أولى فقط، على أن تليها خطوات أخرى تحت إشراف ومتابعة الأسرة للحكم على أخلاق الزوج.
كما حذر من أن الإنترنت يحوي الكثير من الخداع، وحتى المقابلات قد تحمل الكثير من الكذب، وبالتالي فإن إشراف الأسرة وطول مدة التعارف هي التي ستحسم الحقيقة من الكذب في صفات كل من الطرفين.

ويصف أستاذ علم النفس بجامعة الزقازيق د. أحمد عبدالله حال المجتمع حاليا بأنه أصبح ينقسم بين فريقين، فريق شديد الانفتاح إلى درجة قد تصل إلى الانحلال، وفريق متشدد دينياً ومنغلق لدرجة لا تسمح للأطراف أن يروا بعضهم أو يتعاملوا معاً.
ويكمل قائلاً: «بين هذين الفريقين يتوه الإسلام الوسطي الذي أمرنا به ربنا والذي يسمح بالتعامل بين الجنسين في حدود شرعية، وحالة من الاحترام والرقابة والانضباط.
ورغم أن هذه الوسطية هي الأفضل لكل الأطراف سواء الشباب أو الأهل أو المجتمع، فإنها لم تعد متاحة في حياتنا الاجتماعية المعاصرة. ومن هنا قد يكون الإنترنت فرصة لالتقاء أطراف لا تتيح لهم الحياة الحقيقية التقابل، فيسعون لتجاوز هذا العائق عن طريق الحياة الافتراضية على الشبكة العنكبوتية».

سبق نشره بجريدة العرب بتاريخ 2008-12-15