سالي مشالي

خبراء يتوقعون : توقعات بتصالح مؤقت ومحتمل لأركان النظام في إيران


كتبت- سالي مشالي - جريدة العرب


بعد تصاعد الإحتجاجات على نتائج الإنتخابات الإيرانية، وإشتباك الشرطة مع المتظاهرين، وتراشق كلاً من التيار الإصلاحي والتيار الاصولي الإتهامات، وإنتقاد الإصلاحيين لمرشد الثورة علي خامنئي ما بدا ضعف لهيبته، ومع إستمرار هذه الإحتجاجات بالرغم من أن غالبية المحللين السياسيين كانوا يتوقعون أن تزول فيما لا يزيد عن يومين، توقع عدد من الخبراء السياسيين والمختصين في الشأن السياسي الإيراني أن يتدارك النظام الإيراني الأزمة وأن يحتوي المعارضين ليمضي أحمدي نجاد في خططه وسياساته.


وأكد الخبراء أن المرحلة القادمة ستنضوي على جانب كبير من المرونة والتغيير من جانب النظام الحاكم وحتى من جانب المرشد العام للثورة الإسلامية علي خامنئي، بسبب التغييرات والتوترات التي شهدتها إيران في الفترة الأخيرة.جاء ذلك في الندوة التي أقامها "مركز الدراسات المستقبلية والإستراتيجية" بالقاهرة اليوم الأربعاء 24/6/2009 تحت عنوان :" نتائج إنتخابات الرئاسة الإيرانية وتأثيرها على التوجهات الإيرانية في المنطقة".


وأكد الخبراء والمحللون أن ما يحدث في إيران شديد الإرتباط بالأوضاع في الشرق الأوسط وبدور القوى العظمى المتواجدة في المنطقة، كما أنه سيؤثر على القضايا الساخنة سواء في الخليج أو العراق أو في ملف الصراع العربي الإسرائيلي.


ونفى د. محمد السعيد إدريس رئيس وحدة‏‎ ‎دراسات الخليج بمركز الأهرام، صحة ما تروجه ‏وسائل الإعلام الغربية وبعض مؤيديها في‎ ‎الدول العربية حول قرب سقوط النظام الإيراني، ‏موضحاً أن هذه الوسائل تروج لما تريده‎ ‎وما تتمناه لا ما يحدث في الحقيقة، منتقدا في الوقت نفسه وسائل الإعلام الإيرانية‎ ‎لأنها تروج للزيف وتتعامل بمنطق المؤامرة ‏الخارجية‎ ‎وترفض الاعتراف بحقيقة وجود أزمة في الداخل.


ووضع إدريس عدة سيناريوهات لما هو متوقع أن‎ ‎يحدث في إيران الفترة القادمة، فاستبعد احتمال لجوء المرشد العام للثورة‎ ‎الإسلامية علي خامنئي والرئيس أحمدي نجاد إلى استخدام القوة ‏المفرطة لقمع‎ ‎المعارضين، مشيراً إلى أن هذا الاحتمال يحمل في طياته قلاقل وضحايا وهو ما ‏يعني أن على‎ ‎النظام التأني قبل اللجوء إليه، دون تجاهل إمكانية انفجار الأوضاع‎ ‎وانفلات زمام الأمور‎


.‎وطرح الدكتور محمد السعيد احتمال ثاني يتعلق بلجوء ‎النظام الحاكم للمساومة السياسية فيتخلى المرشد عن ‏بعض صلاحياته للرئيس، وهو ما‎ ‎يساعد على التهدئة وطرح وجه متوازن ومعتدل للنظام وأكثر ‏مرونة وتكيف مع المطالب‎ ‎الجديدة، لكن إصرار الإصلاحيين في هذه الحالة على ‏مطالبهم سيفشل‎ ‎المساومة ويظهر النظام في صورة ضعيفة لا يقبلها‎.


‎وبخصوص التفاعل الخليجي مع‎ ‎الانتخابات الإيرانية، أشار المتحدث إلى أن دول مجلس التعاون ‏الخليجي جميعها تعاملت بحذر‎ ‎مع الانتخابات الإيرانية وكذلك مع الاحتجاجات التي تلتها، واستثنى ‏السعودية التي‎ ‎كان إعلامها صريحاً في الانحياز ضد النظام القائم في إيران.
‏‏وقال محمد السعيد: «رغم أن‎ ‎الموقف السعودي مبني على توقع أن التيار الإصلاحي يقبل التهدئة ‏ويتفاهم في الملفات،‎ ‎فإنني أرى أن المرشح الخاسر حسين موسوي إذا كان نجح في الانتخابات ‏فإنه لم يكن ليعترف بإسرائيل،‎ ‎وكان سيتمسك بالمشروع النووي الإيراني، وسيعمل على بناء قوة ‏اقتصادية وعسكرية جبارة‎ ‎في إيران‎»، موضحا ‎ أن هناك إدراكا خليجيا بأن‎ ‎إيران ستتدارك الأزمة وهم حريصون على ألا يستثيروها ‏فتعود لتنتقم، مشيرا في الوقت نفسه لمؤشر واضح يدلل على صحة ما ذهب إليه بإغلاق ً مملكة البحرين لجريدة « أخبار الخليج » ‎لتناولها ملف الانتخابات الإيرانية بصورة لا تتوافق مع الموقف‎ ‎الرسمي.


وفيما يتعلق بالعراق حذر د. حميد شهاب أستاذ العلوم السياسية‏‎ ‎بجامعة بغداد، من أن تلجأ إيران في حال استمرار ‏الأزمة الداخلية بها إلى خلق عدو خارجي أو خلق حدث سياسي كبير في إحدى دول الجوار، ‏مشيراً إلى أن‎ ‎العراق في هذه الحالة هو الأكثر ترشيحاً، وذلك لصرف انتباه الشارع الإيراني ‏إلى‎ ‎هذا الخطر، في محاولة لربطه بتهديد الأمن القومي الإيراني، وخاصة مع انسحاب القوات‎ ‎الأميركية من المدن العراقية نهاية الشهر الجاري‎.‎‏


وتوقع د. شهاب أن تؤثر نتائج‎ ‎الانتخابات على بعض القوى التي كانت تدعمها إيران مادياً ‏وعسكرياً بقوة في العراق،‎ ‎مشيراً إلى رضا باقي قوى المعارضة عما يحدث في إيران، ومبرراً ‏هذا بأن حساباتهم‎ ‎تفترض أن الانقسامات الداخلية بإيران سوف تضعف إيران وبالتالي سيضعف ‏نفوذها وتدخلها‎ ‎بالشأن العراقي الداخلي‎.


‎واعتبر شهاب أن الصراع القائم حالياً في‎ ‎إيران هو صراع النخبة لحفظ مصالحهم من خلال ‏السلطة والنفوذ، واصفاً خروج الشعب في‎ ‎المظاهرات بأنه استثمار لصراع النخبة من أجل إحداث ‏تغيير يصبون إليه وسعي شعبي قوي‎ ‎للانفتاح على الغرب والولايات المتحدة الأميركية‎.‎ ‏
كما توقع د. شهاب أن تسعى الأحزاب‎ ‎والقوى العراقية إلى الاستعانة بالهيئات والمنظمات ‏الدولية والإقليمية لضمان نزاهة‎ ‎الانتخابات التشريعية العراقية القادمة (بعد ستة شهور)، خوفاً من ‏حدوث أي تدخلات‎ ‎إيرانية في الانتخابات العراقية بعد اتهام النظام الإيراني بتزوير انتخاباته،‎ ‎لافتا ‏إلى أن هذه الاتهامات تعيد إلى الأذهان الأصوات التي اتهمت إيران بالتدخل عام‎ 2005 ‎في ‏الانتخابات العراقية بالتزوير من خلال نفوذها لصالح قوى قريبة‎ ‎إليها‎.


‎على المستوى الدولي‎، توقع د مدحت حماد أستاذ الدراسات‏‎ ‎الإيرانية بكلية الآداب جامعة طنطا في مصر، تحول ‏عميق في التوجهات السياسية الدولية‎ ‎لإيران، وهو ما رصده تكثيف الحوار الأميركي الإيراني ‏في الفترة الأخيرة، وهو ما‎ ‎يرى أنه يعني إعادة ترتيب لأولويات العلاقات الدولية الإيرانية من ‏إعطاء أولوية‎ ‎مطلقة لبناء علاقات مع أميركا بشكل جديد، والمحافظة على العلاقات الاستراتيجية‎ ‎القائمة بين إيران وروسيا، والاستثمار الممنهج للعلاقات مع أميركا اللاتينية بهدف‎ ‎دفع أميركا ‏لمزيد من التعاطي الإيجابي تجاه المصالح الحيوية الإيرانية، والإبقاء‎ ‎على العلاقات المستقرة مع ‏دول أوروبا الكبرى خاصة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، مع‎ ‎استمرار التوتر في العلاقات مع بريطانيا ‏والذي يُعد السمة الرئيسية للعلاقات بين‎ ‎البلدين على مدار العقدين الماضيين‎.‎
وقال د. حماد إن الهيكلة الجديدة للعلاقات‎ ‎الخارجية الدولية لإيران سوف تبدأ طريقها للتحقق عقب ‏قيام أحمدي نجاد بتشكيل حكومته‎ ‎الجديدة، وقال: «من المتوقع أن تتمحور هذه الهيكلة حول إيجاد ‏حل حقيقي للأزمة‎ ‎الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني في إطار صفقة شاملة ستكون ثنائية في ‏الأغلب الأعم‎ ‎بين إيران والولايات المتحدة».
سالي مشالي
بكالوريوس في السعادة الزوجية


تحقيق - سالي مشالي

الزواج هو أهم مشروع في حياة كل إنسان وفي حياة ابنائه وفي حياة المجتمع على النطاق الواسع بعد ذلك، وهذا المشروع يحتاج مثل أي مشروع إلى دراسة وتخطيط وتعلم وإصرار على النجاح، فالتوفيق في الزواج هو بداية النجاح على كل المستويات النفسية والاجتماعية والعملية، والفشل فيه يُفقد أي نجاح آخر معناه.

ويخطئ من يظن أن الشروع في إقامة حياة زوجية هو الارتباط بزميلة الدراسة التي رأى فيها الفتاة الجميلة أو رأت هي فيه الشاب «الروش» خفيف الظل، وهو أيضاً ليس الصورة التقليدية التي يلجأ إليها البعض فيكتفون بزيارة أو زيارتين رسميتين يقررون بعدها إتمام الزواج.
ولعل سوء تقديرنا لسبل ووسائل اختيار شريك الحياة ثم كيفية التعامل ومواجهة المشاكل المحتملة وطرق حلها هي أهم أسباب ارتفاع نسب الطلاق في الوطن العربي، حيث وصل الطلاق في مصر إلى 75 ألف حالة خلال عامي 2006 و 2007، وبلغ في السعودية في بعض المناطق 60 في المائة، والحال في باقي الدول العربية ليس أفضل في أغلب الأحوال.
ورغم تسليم الكثيرين بأن الزواج «بطيخة» فإن ارتباط حياتنا بالعلم من وجوه كثيرة ساعد على إيجاد أساليب وحلول متطورة تساعد كل طرف على فهم نفسه من جهة، وتساعده أيضاً على فهم الطرف الآخر.
ومن أهم الدول التي اتخذت خطوات إيجابية جداً لإنجاح الزواج وخفض نسب الطلاق .. ماليزيا.

برنامج تدريبي

فالطلاق في ماليزيا كانت نسبته في التسعينيات 37 في المائة ولكنهم نجحوا في خفض هذه النسبة إلى 7 في المائة خلال الأعوام السابقة بعد أن فرضوا على كل فتى وفتاة قبل الزواج الدخول في برنامج تدريبي لمدة شهر يتفرغ خلاله تماماً للدراسة ويحسب هذا التفرغ من الإجازة المدفوعة الراتب بالنسبة للعمل، وتم منع قبول أي طلب للزواج ما لم يكن المتقدم بهذا الطلب قد حصل على شهادة معتمدة من أحد المعاهد المتخصصة يثبت تلقيه التدريب.
هذه الدورات ليست مجهولة لدينا ولكنها لم تنتشر بعد على نطاق واسع، ففي السعودية تبنت فتاة من تبوك تنظيم دورات للفتيات المقبلات على الزواج، وفي مصر قامت بعض مراكز التنمية البشرية وبعض المساجد بتبني هذه الدورات والدعوة للالتحاق بها، ولكن الأمر لايزال في صورة جهود فردية واجتهادية.

منهج منوع

أحد هذه المراكز اهتم بتقسيم منهج الدورة إلى ثلاثة محاور، المحور الأول: كان الجانب الاجتماعي والنفسي، وتم فيه تناول أسس اختيار شريك الحياة وكيفية التأقلم معه ومع أسرته ومع المجتمع ككل من خلال الأسرة الجديدة، والمحور الثاني: تناول الجانب الديني وحقوق الزوجين من وجهة نظر الدين، أما المحور الثالث: فارتبط بالثقافة الجنسية، ولكن التجربة على وجه العموم لا تزال في بداياتها وتحتاج إلى أن تقوم بعض الشركات والمؤسسات بتبنيها إنقاذاً لحياتنا الاجتماعية التي تزداد انهياراً يوماً بعد يوم.

الزواج والتدريب

محمد عباس ـ 28 سنة ـ هو أحد الشباب الذين حضروا إحدى هذه الدورات وهو خاطب في الوقت الحالي، يقول عن أسباب التحاقه بدورة المقبلين على الزواج: «تعودنا قبل القيام بأي عمل أن نتدرب عليه...
فقيادة السيارة تحتاج إلى تدريب، واستخدام الكمبيوتر يلزمه عدة دورات، وإقامة حياة زوجية مسألة في غاية الأهمية ويخطئ كثير من الناس عندما يتعامل مع الأمر بـ «البركة» أو من خلال خبرات أصدقائه أو إخوته، لأن لكل حالة وشخصية ظروفها التي لا يمكن اقتباس حلول لها من الآخرين»، وعن مدى استفادته من الدورة يؤكد عباس أنها أضافت الكثير إلى معلوماته وخبراته حتى انه يرغب في تكرار الإلتحاق بدورات أخرى في المستقبل، ومن الدروس العملية التي استخدمها بالفعل يقول: «هناك تجربة تعلمتها في ورشة عمل الدورة، وهي أن الرجل عند احتدام الخلاف بينه وبين زوجته عليه أن يقول كلمة طيبة كأن يقول لها «عشان بحبك ... كذا»، أو «لأنك غالية علي.. كذا» وقد جربتها بالفعل وأدت لنتائج رائعة».

قصة السعادة

خطيبته مروة محمد خليل ـ 25 سنة ـ تقول عن أسباب التحاقها بالدورة «أهتم منذ فترة بدورات التنمية البشرية في كل المجالات، وأحرص على نقل ما أتعلمه لأكبر عدد ممكن، وهذه الدورة على وجه التحديد في غاية الأهمية، فإذا كنا نسعى لبناء قصر للسعادة الزوجية، فإن هذا القصر ينبغي أن يقوم على أساسات قوية وثابتة» وتؤكد مروة أن ما تعلمته خلال الدورة لا يمكنها إعادة وصفه لأنه ببساطة أصبح راسخاً في عقلها اللاواعي وردود أفعالها تتم بناء عليه بصورة تلقائية.
وبالرغم من تعرض إسراء الشبراوي ـ 24 سنة ـ لتجربة خطبة سابقة، إلا أنها حرصت على حضور الدورة، وتؤكد إسراء أنها لو كانت شاركت في هذه الدورة قبل فسخ خطوبتها ربما تغيرت أشياء كثيرة ولعل الخطوبة كانت ستستمر بنجاح، تقول إسراء: «هناك كثير من الخلافات كانت تحدث بيني وبين خطيبي ولم أكن أعرف كيف أتعامل معها أو أحتويها، ولكني من خلال الدورة اكتشفت أخطاء في ردود أفعالي وفي ردود أفعاله لم أكن أراها من قبل، ولعلي أستفيد منها في المرة القادمة» وتشدد إسراء على أن سماع المحاضرات من طرف واحد لا يؤدي للنتيجة المطلوبة، وبالتالي لابد من حضور الطرف الآخر ليحدث الإنسجام والتفاهم المطلوب.

سرعة الزواج

وترى منى إسماعيل ـ 23 سنة ـ أنها بالرغم من أنها لم ترتبط بعد إلا أن حضورها الدورة أضاف لها الكثير، وتقول: «بعد ان أنهيت الدورة شعرت بحماسة كبيرة وتمنيت أن أتزوج على وجه السرعة حتى أُطبق ما تعلمته من خلال هذه الدورة».

ضعف الإقبال

وتنتقد المهندسة سحر منصور مديرة مركز «خطوة» للتنمية البشرية الذي قام بعقد دورة تدريبية للمقبلين على الزواج، ضعف الإقبال على الالتحاق بالدورة التي تم الإعلان عنها فترة طويلة، وبالرغم من هذا فإن عدد المشاركين لم يزد عن عشرة أشخاص أكثرهم من الفتيات غير المرتبطات، وتفسر هذا بقولها: «إن أكثر الناس في بلادنا العربية مازالوا غير مقتنعين بحاجتهم لتلقي علوم في فن إدارة الحياة الزوجية، فالكل يرى أنه يستطيع أن ينجح دونها كما نجح أبواه من قبل، ويفوتهم أن الاستمرار في حد ذاته لا يعني بالضرورة النجاح، وعليهم أن يقيّموا التجربة بنوعية الحياة التي يرغبون فيها، ولا يتبنوا نظرية: «أهي عيشة والسلام» وهو الخلل الذي نبذل كل جهدنا لإصلاحه».
وتضيف: بالرغم من هذا فالتجربة ناجحة للغاية والشباب والفتيات الذين اشتركوا أكدوا من خلال استمارة التقييم أنهم استفادوا منها وأنهم وجدوا فيها أكثر مما كانوا يتوقعون، خاصة أنها احتوت على جانب من المشاركة وورش العمل ولم تقتصر على أسلوب الإلقاء.
وتبرر قلة عدد المشاركين من الشباب مقابل الفتيات بأن الفتيات عادة أكثر مرونة ورغبة في التطور والتغيير كما أن الشباب يركزون على العمل ولو احتاجوا الالتحاق بدورة فستكون في جانب يضيف لحياتهم العملية، خاصة أن أغلب الرجال الشرقيين يلقون بمسؤولية نجاح الحياة الزوجية على عاتق الزوجات.

معلومات جديدة

ويتحمس د. أحمد عبدالله أستاذ الطب النفسي ـ بجامعة الزقازيق ـ لفكرة نشر هذه الدورات، موضحاً أنه من خلال الدورات التي شارك في تدريسها وجد أن انطباع أكثر الشباب والفتيات هو الدهشة والتعجب لسماعهم معلومات لم يكن لديهم أدنى فكرة أنهم يجهلونها، وأكد أن معظمهم كان يتوقع أن يسمع معلومات ليست بالجديدة عليه، وكان مما أثار دهشتهم ردود الحاضرين على سؤال حول انطباعاتهم عن الزواج والعلاقة الزوجية وتوقعاتهم من الزواج، وظن الجميع في البداية أن الإجابة واحدة، ولكن الردود تباينت وهو ما أثار انتباههم إلى أن الحياة الزوجية قد لا تكون عبارة عن نموذج واحد فقط هو الذي رآه كل منهم في منزل أسرته، وتأكد هذا الانطباع كلما طُرحت قضية للنقاش واختلفت الردود والآراء.
ويفسر د. عبدالله هذا بأن خريطة كل إنسان وموروثاته تختلف من شخص لآخر، والغالبية العظمى من الشباب والفتيات أُسس الإختيار لديهم غير واضحة ولم يشرح لهم أحد من قبل كيف يختارون الشخص المناسب لهم، وما هي الاشياء التي ينبغي أن يتناقش فيها الخطيبان ليتأكدا أنهما مشروع قابل للنجاح، وكيف يشرح كل منهم نفسه للآخر.
ويأمل د. عبد الله ان يساهم نشر هذه الدورات في إصلاح الخلل الذي أصاب المجتمع ككل وهو يعتبر أن تجربة الزواج الناجحة فيه أصبحت تستحق أن تخضع للدراسة والتحليل للوقوف على أسباب نجاحها.
ويثني د. فؤاد السعيد ـ الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ـ على التجربة الماليزية، مشيراً إلى أن نجاحها يتماشي مع نجاح التخطيط الشرق أسيوي بصورة عامة في السنوات العشرين الماضية، موضحاً أن هذه الدول تحدد مشاكلها بشكل واقعي ثم تبدأ في وضع خطط ملزمة للجماعة وبالتالي تأتي بنتائج مذهلة.

الإتجاه الصحيح

واعتبر أن البدء في تنفيذ هذه الدورات في مجتمعاتنا العربية بذرة في الاتجاه الصحيح، ولكنه في الوقت ذاته شك في إمكانية نجاحها في مصر اذا أُقيمت بصورة رسمية وحكومية كما حدث في ماليزيا، مفسراً هذا بعدم قبول المصريين لمسألة الاجبار من الدولة للأفراد، وبوجود تراث مصري رافض لكل ما هو حكومي، بالإضافة إلى عدم تبني المصريين هذه القضايا بشكل جاد.

التوكل الخاطئ

ومن أكثر المفاهيم الاجتماعية التي يرى د. السعيد أنها مدمرة ومؤخرة للمجتمع المصري وقد تؤدي لفشل محاولة نشر هذه الدورات، إنتشار فكرة التوكل بشكل خاطئ، فالفكرة السائدة هي أن «الإنسان لا ينبغي أن يستعد للمستقبل ولكن يؤمن بمصيره ويتوكل على الله» ولكنه يعود ويؤكد أن تبني مؤسسات المجتمع المدني لهذه الدورات ونشرها على نطاق واسع يمكن ان يؤتي ثماره، كما حدث مع عدد من الجمعيات الأهلية مثل «رسالة» التي استطاعت إعادة الثقة والحماس للعمل التطوعي وشارك فيها آلاف الشباب، وأشار إلى أهمية نشرها على نطاق واسع والإعلان عنها وعن أماكن إقامتها في التليفزيون، والاستفادة من التأثير الإيجابي ودرجة القبول لبعض الشخصيات العامة التي يمكن أن تتبنى الدعوة لتنظيم وحضور هذه الدورات.
وعن تدريس العلاقات الخاصة بين الزوجين في هذه الدورات يرى د. أحمد عبد الرحمن ـ أستاذ علم الأخلاق بالجامعة الإسلامية بماليزيا سابقاً ـ أن تدريس هذه العلاقات من خلال الدورات لا بأس به، بل إنه مندوب ومطلوب، ولكنه شدد على أن تكون مادة هذه الدورة مستقاة من كتاب علمي موثق يشترك في وضعه لجنة على أعلى مستوى من علماء الدين والاجتماع والطب وعلم النفس والتربية، على أن يكون القرآن والسنة هما المرجع الرئيسي، وأكد على اهمية انتقاء المحاضرين من ذوي الأخلاق والسمعة الحسنة.
سالي مشالي
سالي مشالي


آثار مشهد الرئيس الأمريكي باراك اوباما وهو يقتل الذبابة على ذراعه دهشة وانبهار الكثيرين ... حتى أنه أصبح خبر أول ... في كثير من نشرات أخبار الصباح، ويبدو أن حالة الإنبهار التي تشمل العالم كله تجاه أوباما تجعل من أقل حدث يقوم به معجزة من معجزات الدهر.

فقتل الذبابة في عرف البشر الطبيعيين شئ مقرف ومقزز ولا بعث على الدهشة أو الحماس أو الانبهار ... فما بالنا بالتصفيق الحار الذي أمطر المصورون به أوباما بمجرد أن نجح في إصطياد الذبابة وقتلها !!!

ربما لأن اوباما لم يأكلها بعد إصطيادها - وهو ما كان يمكن أن نتوقعه من جورج بوش الابن – أو لأنه كان يتصرف ببساطة وبطبيعية كأي إنسان عادي فيفعل ما يشعر أنه يريد أن يفعله ولهذا أسر قلوب البشر وأصبح أقل نشاط يقوم به رائع وقدوة.

وكعادة الشعب الأمريكي المولع بالتقاليع علينا أن نتوقع أن تجري مسابقات في قتل الذباب "بطولة العالم في قتل الذباب" لصنع رقم قياسي جديد يتم تسجيله في موسوعة جينيس للارقام القياسية ويتقدم على رقم الرئيس باراك أوباما، وليكن شعار المسابقة "دبانتي أكبر من دبانتك"
سالي مشالي


- مصاريف الحضانة 20 ألف جنيه في العام والبعض يشترطها بالدولار

- خبراء التعليم: نحتاج مناهج تنطلق من ثقافتنا وقادرة على التنافس العالمي

- علماء الاجتماع: نحن أمام قنبلة اجتماعية وحالة من فقدان الانتماء



تحقيق- سالي مشالي

في هذه الأيام من كلِّ عامٍ يبدأ تفكير الأسر في التقديم لأبنائهم في المدارس، وتظهر إعلانات المدارس الخاصة التي تُغرق الصحف وأجهزة التلفاز الأرضية والفضائية لتجعل الاختيار كمَن يبحث عن إبرة وسط كومةٍ من القش، وهو ما جعل العلم لا يُقارن بالماء والهواء إلا إذا كان هذا الماء والهواء يُشترى بآلاف الدولارات واليوروات، فقد أصبحت قيمة الإنسان تتوقف على المبلغ الذي تم إنفاقه عليه في تعليمه، وبالتالي يتم رسم مستقبله منذ مرحلة الحضانة.


وبعد أن كان التعليم في مصر ينقسم إلى قسمين: الأول: هو "الأميري" كما يسميه المواطنون، وهي المدارس الحكومية في كل المراحل الدراسية والتي يُفترض أنها تقدم الخدمة التعليمية المجانية ودون مقابل أو بمقابل زهيد، والقسم الثاني هو المدارس الخاصة والتي يملكها مواطنون أو هيئات أو جمعيات، ولكنها لا تتبع الحكومة ويكون التعليم فيها مقابل مصروفات تتفاوت في قيمتها حسب مستوى الخدمة التي تقدمها المدرسة.


في الماضي كانت مدارس اللغات تدرس نفس المنهج المصري، ولكن بلغة المدرسة سواء أكانت إنجليزيةً أو فرنسيةً أو ألمانيةً، فكان الطلاب يخرجون جميعًا يحملون نفس الثقافة التاريخية والجغرافية والعلمية، ولكنْ كلٌّ باللغة التي درس بها، وأما الآن فهناك قنبلة تعليمية على وشك الانفجار ولا يعلم أحد عواقبها المستقبلية على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، هذه القنبلة هي فتح المجال أمام المدارس المصرية الخاصة للحصول على تراخيص من جامعات أمريكية لتدريس مناهج هذه الجامعات في مصر.


والكارثة تكمن في أن هذه المناهج موضوعة لتناسب الطالب الأمريكي والبيئة الأمريكية، ولا تُعبِّر بأي حالٍ عن بيئة الطلاب المصرية أو الإسلامية، والكارثة الأشد أن كل مدرسة تُدرِّس منهجًا ومواد تختلف عن باقي المدارس حسب الجامعة التي تعاقدت معها كل مدرسة، مما يؤدي إلى نشأة عدة ثقافات وعدة طبقات اجتماعية متنافرة، ولا يوجد ما يربط بينها، وفي غياب دور رقابي من وزارة التربية والتعليم ومجلس الشعب والمثقفين والوطنيين أصبح التعليم في مصر مفتوحًا على مصراعيه لمَن يريد الاستثمار.


ورغم قيام بعض المدارس وبجهدٍ فردي بمحاولاتٍ للمزج بين المنهج المصري والدين الإسلامي ومناهج المدارس الدولية إلا أن هذه المحاولات لا تزال في نطاق التجريب، وهو ما دلَّ عليه قيام إحدى المدارس بتدريس منهجها طوال العام ثم تُفاجأ المدرسة وأولياء الأمور أن الأبناء يحتاجون أن يجتازوا الامتحان في منهجٍ مختلفٍ تمامًا، وهو ما سمحت به الوزارة، ووسط هذه الفوضى طرح (إخوان أون لاين) العديدَ من الأسئلة للإجابة عليها، أهمها ما هو مستقبل التعليم في مصر في ظل هذه الأوضاع الفوضوية؟ وكيف سيكون حال المجتمع كنتيجةٍ لهذه الفوضى بعد 20 عامًا من الآن؟

في البداية التقينا بعددٍ من أولياء الأمور للتعرف على آرائهم في هذا الموضوع وكيفية اختيار المدارس المناسبة لأولادهم وغير ذلك.


تقول زينب أحمد- ربة منزل- لم يكن أمامي أي اختيارٍ في إلحاق أبنائي بالمدارس الأجنبية، فاللغة شرطٌ أساسي في سوق العمل الآن، وقد عانيت أنا نفسي ولم أجد فرصةَ عملٍ جيدة رغم أني خريجة فنون تطبيقية بسبب عائق اللغة، وبالتالي أردتُ أن أُجنِّب أبنائي المرور بنفس التجربة في المستقبل، ورغم أن أقساط المدرسة تقصم الظهر إلا أن زوجي سعى للحصول على عقد عملٍ بالخارج حتى نستطيع تحقيق مستقبل أفضل للأبناء.


مضطرون !!

وفي بداية حديثنا معه أبدى عبد الله بدوي- محاسب- أسفه وحزنه الشديدين بسبب وجود أبنائه في مدرسةٍ دولية، وقال: كنتُ أتمنى أن أجد مدرسةً مصريةً تُقدِّم خدمةً تعليميةً متميزة، ولكن بعد التنقل بين عدة مدارس كلها باهظة المصاريف كانت المحصلة دائمًا واحدة "إحباط واكتئاب وضغط عصبي وسوء معاملة وأساليب تربوية فاشلة"، فاتجهتُ بأبنائي إلى مدرسة بالنظام الدولي ورغم شعوري بالحزن لبعد سلوكها وأسلوب الدراسة فيها عن السلوك المصري أو الإسلامي أو حتى الشرقي، إلا أن حالة الأبناء النفسية تحسنت كثيرًا، وكذلك أداؤهم التعليمي، وأُحاول أن أُعطيهم القيم الأساسية المطلوبة عن طريق المنزل وشيخ لتحفيظ القرآن، وأدعو الله دائمًا أن يحفظهم.


ورغم أن أولياء الأمور يتعللون دائمًا بفشل التعليم في المدارس الحكومية وسوء المعاملة فيحولون أبناءهم إلى المدارس الخاصة أو الأجنبية، إلا أن فاطمة مصطفى (طبيبة) كانت تجربتها عكسية، وقالت لنا: كان أبنائي في مدرسةٍ دوليةٍ وكنتُ سعيدة بالأناشيد الإنجليزية التي يغنوها، ولكن مع الوقت ومع بداية الدخول في سنِّ المراهقة بدأت أخلاقُهم تسوء وأصبحوا يقلدون زملاءهم بشكلٍ بعيدٍ تمامًا عن التربية الإسلامية، خاصةً في مسألة التعامل مع الجنس الآخر، هذا فضلاً عن أن زيادة مساحة الحرية والجرأة والاستقلالية التي حصلوا عليها من المدرسة الدولية التي يدرسون بها جعلتني أشعر أني فقدتُ السيطرة عليهم، بل إنني سأفقدهم هم أنفسهم تمامًا ما لم أسعَ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبالتالي قمتُ بنقلهم إلى مدرسةٍ مصريةٍ رغم توسلاتهم لي، واعتبرتُ أني إذا خسرتُ قدرًا من التعليم فهذا خيرٌ لي من أن أخسر الأخلاق والدين والمستقبل كله.
مناهج مشوهة

الأمر كان مختلفًا مع إيمان محمد (مهندسة) التي بدأت كلامها معنا بتساؤل: ولماذا أُنفق كل هذه الأموال على مصاريف المدرسة؟! واستكملت قائلةً: "مصروفات هذه المدارس فلكية وتتخطى العشرين ألف جنيه للطفل في الحضانة، وهذا الأمر يتطلب إما أن أكون مليونيرة فلا يؤثر معي ذلك مثل هذا الرقم، أو أكون مجنونةً حتى أدفع هذا المبلغ كل عامٍ من أجل التقليد أو المنظرة، وأنا أجزم أن المناهج الموجودة في مصر ليست هي المناهج التي يدرسها أبناء هذه الدول في بلادهم الأصلية، بل إنها مناهج مشوهة لا تحمل قيمةً علميةً ولا أخلاقية، وأضافت: لو كنتُ أملك هذا المبلغ فالأولى تأمين مستقبل أبنائي بمشروعٍ أو شققٍ أو جهازٍ للبنات.

مشروع بديل

ويقترح محمد حجاج (مدرس بمدرسة لغات) حلاًّ لهذه الأزمة- من وجهة نظره- وهو: القيام بمشروعٍ قومي وطني تطوعي يُشارك فيه كل الوطنيين الغيورين المتخصصين والأكفاء، هذه الشخصيات الوطنية تُشارك في وضع منهجٍ بعيدٍ تمامًا عن منهج الوزارة وبعيد أيضًا عن المناهج المستوردة، يتضمن هذا المنهج الثقافة المصرية ولكن بكفاءة تستطيع التنافس العالمي، ويتم تطبيق هذا المنهج بمدرسة وامتحانات وشهادة غير تقليدية، يتم الاستفادة فيه من التجارب العالمية، ولكن بتطبيقٍ يناسب الخصوصية المصرية وتكون أولوية الالتحاق للمتفوقين وذوي القدرات المتميزة، وإنْ لم نفعل هذا بتمويلٍ وطني من رجال الأعمال المصريين الوطنيين فسنظل أُجراء عند العالم كله وسنظل في ذيل القائمة.

خطورة التعديل

انتقلنا بهذه القضية إلى المحطة الثانية، وهم الخبراء والمتخصصون، لتحليلها ووضع الحلول المناسبة لها، فقالت نيفين السويفي (خبيرة تربوية): إن مشكلة المناهج الأجنبية الموجودة حاليًا في مصر أنها لا تُعتبر عالمية، وإنما هي مناهج أجنبية تابعة للدولة الآتية منها، وهي مصممة في الأساس لتناسب الطالب الذي يدرس في هذه البلاد، مشيرةً إلى أن بعض المدارس تقوم باستيراد هذه المناهج وتدريسها كما هي، والبعض الآخر يحاول ويجتهد أن يُدخل عليها تعديلات تتناسب إلى حدٍّ ما مع مجتمعنا.


المدارس الأجنبية تعتمد تدريس الأفكار والثقافة الغربية

وهذا التعديل- والكلام لـ"السويفي"- يختلف من مدرسةٍ لمدرسة، وحتى التعديل في حدِّ ذاته مشكلة؛ لأن هذه المناهج تأتي من بلادها مترابطة وواضعوها يعرفون جيدًا ماذا كتبوا فيها ولماذا، وعلم وضع المناهج هذا علم في حدِّ ذاته، وعندما آتي أنا فأُغير من هذه المناهج وأعدل فيها دون التعمق في التفاصيل أحدث فيها خللاً يصعب علاجه ويُؤثر على العملية التعليمية ككل.

وتضيف: أما مشكلة التعليم الأمريكي على وجه التحديد فهو أن كل ولاية هناك لها تعليمٌ مختلفٌ، وكل جامعة لها منهج يختلف عن باقي الجامعات في نفس الولاية، وهذه المناهج تشمل التاريخ والجغرافيا والمواد التي ترتبط بالهوية والانتماء، في السابق كان الطلبة يدرسون نفس المحتوى ولكن بلغاتٍ مختلفة، الآن أصبح المحتوى أيضًا مختلفًا، وبدلاً من أن يدرس تاريخ مصر الفرعوني أو الإسلامي أو تاريخ المنطقة العربية، أصبح يدرس تاريخ الأمريكتين وجغرافيتها، فيدخل للطلاب فكرٌ غربيٌّ خالصٌ في جوٍّ لا علاقةَ له بهذا الفكر، وبالتالي يحدث عند هؤلاء الطلبة تناقض، فهو إما أن يرفض ثقافته تمامًا ويتجه للخارج أو إذا كان يعيش في البيت في جوٍّ أسري مختلف يصاب بأزمة نفسية، وقد تكون النتيجة في النهاية أن يرفض الثقافتين ويصبح لا ينتمي إلا لنفسه.

وتستطرد قائلةً: إن بعض المدارس في مصر حاولت تغطية هذه الفجوة بإعداد مناهج تربوية حياتية، بالإضافة للمناهج التعليمية الأساسية، ولكن هذه المناهج لا تزال في طور التجربة، ولا يعلم أحد ماذا ستكون نتيجتها على المدى البعيد، والأهم أن الأهالي يبحثون بالإضافة لهذه المناهج عن المدرسين الأجانب بغض النظر عن تأهيلهم التربوي أو شهاداتهم، ولا أنكر أن أغلب الأجانب يُحسنون التصرف داخل الفصل ولو من باب أنهم يُعيدون ما اعتادوا عليه في بلادهم، ولكن رغم هذا وحتى لو كان المدرس الأجنبي مسلمًا تظل هناك فجوة ثقافية ونفسية واسعة بينه وبين طلابه، ورغم المهارات التعليمية والفكرية والسلوكية المتميزة التي يحصل عليها الطلاب واللغات الأجنبية التي يتقنونها، نظل نشعر بالأسى؛ لأنهم أثناء حصولهم على هذه العلوم والمهارات يفقدون جزءًا من هويتهم، ويصبحون مصبوغين بشكلٍ من الأشكال بصبغةٍ ملونةٍ قد تكون برَّاقة ولكنها ليست مصريةً أصيلة.

غرباء في مجتمعهم

ويشرح د. فؤاد السعيد (الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية) المفهوم التقليدي للتعليم وهدفه الرئيسي، وهو تحقيق وحدة ثقافية للأجيال، بحيث يحصل النشء الجديد على أساسٍ من الثقافة الوطنية، ويقول: هذا موجودٌ في كلِّ دول العالم، بحيث نحصل على خريجين تمَّ تعليمهم في مجالاتٍ علميةٍ مختلفة وتخصصات متباينة، ولكنهم حاصلون على نفس الأساس من الثقافة الوطنية الواحدة.

ويرى أن الحادث الآن مع تنوع المناهج والمدارس واللغات هو أن الشباب يدرسون مواد الهوية (تاريخ، جغرافيا، أدب) بشكلٍ متباين، هؤلاء الأبناء تحدث لهم غربة داخل مجتمعهم، ومع الوقت يفقدون الأحساس بالانتماءِ إليه، وعلى الجانب الآخر نجد أن هؤلاء الخريجين ونظرًا لإمكانياتهم العلمية المتفوقة، وإمكانياتهم المادية أيضًا سيكتسحون سوق العمل، فهم الطبقة التي أتقنت اللغات الأجنبية وأدوات التواصل العالمية من إنترنت وحاسوب، ويحملون مع خريجي نفس هذه النوعية من المدارس على مستوى العالم نفس أنماط التفكير وطرق التحليل، وبالتالي فهم قادرون على التعامل مع الشركات عابرة القارات، وهذه الشركات بالفعل تطلب وظائف ذات مواصفات خاصة، وهذه المواصفات متوافرة في مصر أقل من المطلوب بكثير، أما الخريج المصري من الجامعات والمدارس الأهلية فلن يجد مكانًا على الساحة، وهذا سيُحدث تغييرًا واضحًا في الخريطة الطبقية خلال سنوات قليلة وستكون آثاره الاجتماعية أكبر بكثيرٍ مما يتصوره البعض؛ لأننا سنجد طبقة الاقتصاد العالمي ورجال الأعمال في مقابل طبقاتٍ وسطى ودنيا التفاوت بينهما كبير جدًّا، ولا بد من دراسة هذا الوضع وتوقع نتائجه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

ويضيف: المقلق أن الطبقة العليا التي من المفترض فيها أن تكون القاطرة التي تجر المجتمع لمزيدٍ من التقدم، هذه الطبقة- في الأغلب- نشأت في الصعود الأخير وتحمل مؤشراتٍ سلبية، بل تحمل قيم "الفهلوة" والمضاربة غير المحسوبة والأنانية الشديدة وعدم الاستعداد للعطاء أو العمل الخيري أو المجتمعي أو الأهلي؛ بل إنهم يجتهدون في التهرب الضريبي، وفي حوادث متفرقة ظهر منهم صورٌ من الاستهتار وعدم احترام العرف والقانون والاستقواء بالمال والسلطة، ولا يبدو أنهم يحملون قيم احترام العمل والجهد والتميز.

ويطرح د. السعيد حلاًّ للخروج من هذه الأزمة بإشراكِ بعض رموز النخبة المثقفة والشخصيات العامة المستنيرة لتحديد الاتجاهات الرئيسية لتطوير التعليم في مصر وليس الاكتفاء بالخبراء التربويين الذين هم في الأساس موظفون منتمون ومتمسكون بالمنظومة الفاشلة التي اعتادوا عليها، وعلى الوزارة التفاوض مع المدارس الدولية لتدريس مواد وطنية بجانب المواد الأساسية الخاصة بكل مدرسة، ولتكن هذه المواد ولو كحصص استماع، ويمكن الضغط على المدارس عبر رفض الاعتراف بخريج هذه المدارس في مصر ما لم يدرس هذه المواد.


ازدواجية أم تعددية؟


د. حسام بدراوي

وعندما ذهبنا إلى الدكتور حسام بدراوي- رئيس لجنة التعليم في مجلس الشعب سابقًا- لسؤاله عن دور مجلس الشعب في الرقابة والتنظيم للعملية التعليمية رفض الحديث في هذا الموضوع، واكتفى بتقديم تقريرٍ عن ازدواجية التعليم في مصر، ربما كان المفيد فيه هو الإحصاءات- إن كانت دقيقة- والتي توضح أن نسبة التلاميذ بالتعليم الخاص إلى إجمالي التلاميذ المقيدين بالمدارس في مختلف مراحل التعليم قبل الجامعي نحو 7%، وعدد المدارس الدولية في مصر 9 مدارس، وعدد المدارس الحاصلة على ترخيص الدبلومة الأمريكية 39 مدرسةً، والحاصلة على ترخيص IGCSE 61 مدرسةً.

ويقول التقرير حرفيًّا: "إن التساؤل الذي ينبغي الإجابة عنه هو: هل الوضع الراهن للتعليم المصري ينطوي على "ازدواجية".. أم ينطوي على "تعددية"؟، إن تعريف الحالة الراهنة للتعليم المصري كازدواجية يُثير درجةً من الالتباس والغموض في التعليم يستدعي توضيح درجة التناقض بين الأنظمة إنْ وُجدت؛ حيث إن هناك من التربويين مَن ينظر إلى الوضع الراهن بهذا المنظور، مما يعني في الوقت نفسه أن نظامًا واحدًا فيها هو الصحيح، أما بقيتها فينبغي نفيها حفاظًا على "الهوية" القومية.

أي أن التعريف بـ"الازدواجية" كما ينطوي على فهمٍ للمسارات الراهنة بأنها متناقضة فإنه ينطوي على فهمٍ أُحادي أيضًا لمعنى الهوية القومية لمصر، وبالتالي فإن السياسة التعليمية التي ترتبط بهذا التعريف (أو الوصف للحالة الراهنة) فإنها من ثم سياسة من شأنها أن تبقى على نظامٍ ما والاستغناء عن النظم الأخرى.. إن مَن يتبنى هذا التعريف إنما ينطلق من فكرة شمولية لا تعرف إلا بعدًا واحدًا صحيحًا للواقع الاجتماعي.


أما إذا عرفنا الحالة الراهنة للتعليم المصري على أنها "تعددية"، فوصف "التعددية" يرتبط بالحق الديمقراطي لكل جماعةٍ اجتماعيةٍ في الوطن في التعبير عن نفسها وحاجتها الثقافية والتربوية، والتكامل هو ما يحقق للوطن وحدته وقوته.. إن تعريف أو وصف "التعددية" ينطوي على مفهومٍ عن الهوية كإطارٍ ثقافي ينمو في خضم التطور التاريخي الاقتصادي الاجتماعي السياسي للمجتمع، وهو إطار متعدد الأبعاد، وأن الواقع التربوي نفسه على النحو الذي هو عليه هو نتائج للتطور التاريخي نفسه.. وبين الاثنين علاقة تأثير وتأثر".

التطوير معركة شرسة

وعندما انتقلنا إلى أحد مسئولي وزارة التربية والتعليم (رفض نشر اسمه) قال: الوزارة تقوم بالفعل بالإشراف على كل المدارس في الجمهورية بما فيها المدارس الخاصة ذات المنهج الأجنبي؛ لأن أي مدرسة في مصر لا تستطيع إلحاق أي طالبٍ بها ما لم تحصل على ترخيصٍ من الوزارة، فتقوم الوزارة بمعاينة المدرسة وتقييم إذا كانت إمكانياتها تسمح بتطبيق هذا النوع من التعليم؛ لأن المناهج الأجنبية تحتاج معامل ومدرسين وإمكانيات ذات مواصفات خاصة.


وزارة التربية والتعليم

ويستطرد: تطوير التعليم في مصر معركة شرسة على وجوه كثيرة، منها التمويل والكوادر الإنسانية وإمكانيات الطلاب ومفاهيم المجتمع ذاته التي تسعى دائمًا من أجل الشهادة بغض النظر عن المحتوى التعليمي الذي حصل عليه الطالب، فالتعليم المطور من وجهة نظر الأهالي هو امتحانات أسهل ودرجات أعلى تؤدي بالطلبة جميعًا للطب والهندسة- بغض النظر عن ميولهم وإمكانياتهم- والواقع أن المناهج التي نُدرسها أعلى من مناهج الدول الأجنبية، لكن الضعف يكمن في أسلوب التدريس وطريقة التقييم أو الامتحان، والعقبة تكمن في التساؤل: كيف يمكن أن ننقل التعليم من أسلوب التعليم المرتبط بالقرن الماضي إلى أسلوب التعليم الذي يُجاري العصر، ورغم أن هناك مناهج الآن جديدة تفاعلية لمراحل التعليم الأولي إلا أن هناك مقاومةً من قِبل المدرسين الذين يرفضون التدريس بطريقةٍ مختلفةٍ عمَّا اعتادوا عليه سنين طويلة، خاصةً أن طريقة الإلقاء هذه أسهل بالنسبة للمدرس، ومع ذلك فالتدريب مستمر على مستوى مدرسي كل المدارس وكل المراحل التعليمية، وإن كان العائد والحصيلة ليست المطلوبة، ربما لشعور المدرسين بالإحباط وعدم تصديقهم أن برامج التدريب حقيقية، وإنما يتعاملون معها بأسلوبٍ روتيني كما يتعاملون مع وظيفتهم.


ويضيف: لم يعد التعليم للأسف الشديد هو الحاكم على الطبقات الاجتماعية، ولا وسيلة للحِراك الاجتماعي، ففي الماضي كان الشخص الذي يتمنى الصعود الاجتماعي يعلم أن وسيلته لتحقيق هذا ستكون عبر التعليم، ولكن ما يحدث الآن هو العكس، فالحاصلون على الشهادات الجامعية لا يجدون عملاً مناسبًا لتعليمهم وتمنعهم شهاداتهم من العمل في أعمال أقل.


وفي رأيي فالمجتمع الآن ينقسم إلى عدة فئات: فقير غبي.. وهذا سيعمل في الأعمال الدنيا ولن يعاني منه المجتمع، وفقير ذكي.. وهذا سيجتهد ويستفيد من ذكائه في تحسين مستواه، وغني ذكي.. وهذا الأبواب كلها مفتوحة له من أجل التألق والنجاح، ولكن كارثة مصر الأساسية في الفئة الأخيرة.. وهي الغني الغبي.. وهذا هو سبب الفساد والفشل في البلاد؛ لأنه يشتري بماله ما لا يستحق من شهادات، وبالتالي يتولى مناصب هو آخر مَن ينبغي أن يتولاها.
سالي مشالي


- د. قميحة: نشر الرواية ليس ضربةً للدين ومنعها ليس انتصارًا له

- د. القاعود: العلمانيون يثيرون ضجةً للتشويش على القضايا الأساسية

- د. عزة هيكل: تصدير الرواية بأقلام رجال دين خروج بالرواية عن سياقها


تحقيق- سالي مشالي

قامت دار الشروق مؤخرًا بنشر رواية نجيب محفوظ الشهيرة والمثيرة للجدل "أولاد حارتنا"، وهو النشر الذي يعد الأولَ من نوعه في مصر بعد حوالي نصف قرن من المنع ظلت فيه الرواية محلَّ جدلٍ منذ نشرها أول مرة في صورة حلقات مسلسلة على صفحات جريدة الأهرام عام 1959م، وحتى الآن.


وظل الجدلُ دائرًا طوال هذه المدة بين اعتراض عددٍ من رجال الدين على الروايةِ بسبب شخصياتها التي رأوا أنها ترمز للأنبياء بصورةٍ لا تليق بهم، ومطالبتهم بعدم نشرها، وبين المثقفين الرافضين للتعامل مع الرواية بأسلوب المنع، وظل عامل الحسم دائمًا في يد نجيب محفوظ نفسه الذي أعلن أنه لن ينشرها في مصر إلا بموافقة الأزهر وبمقدمة يكتبها أحد رجال الدين، أما الأزهر فلم يصدر قرارًا بالمنع ضد الرواية من الأساس ولم يصدر تصريحًا بالنشر أيضًا.

إلا أن ما أعاد الرواية للنور هو تصدير الرواية بمقدمةِ للمفكر الإسلامي الدكتور د. محمد سليم العوَّا، كما قام المفكر الإسلامي د. أحمد كمال أبو المجد بكتابة خاتمةٍ للرواية.


ومن جانبه أكد إبراهيم المعلم- الأمين العام للناشرين المصريين والعرب- وصاحب دار "الشروق" بأن داره لم تطلب موافقة "الأزهر" لتصدر الرواية، لأن "الأزهر" برأيه، لا يملك سلطةً قانونيةً تخوِّل إليه مراقبة الكتب ومنعها، وإن كان قد أكد أنه يستطيع الاقتراح على أجهزة الرقابة منع بعض العناوين التي يرى أنها تسيء إلى الدين أو إلى الأخلاق العامة.

وأشار المعلم إلى أن هذا الموقف هو "موقف محفوظ شخصيًّا ولا يمكننا تخطيه".

ولعل إعادة نشر الرواية الأزمة يطرح العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام، حول لماذا الآن؟، وهل ستشهد الحياة الثقافية بمصر أزمةً أخري بعد نشر الرواية مثل الأزمات التي سبقت طباعتها بأعوام؟، هذا ما نتناوله في هذا التحقيق.


في البداية يؤكد د. جابر قميحة- أستاذ الأدب العربي- أن الإسلاميين وقعوا في خطأ فادح عندما نظروا للرواية من وجهةِ النظر الدينية فقط، بينما كان من المفروض أن يقيموها من الناحية الفنية، مؤكدًا أنه بصورةٍ شخصيةٍ لم يستسغ الرواية ووجد أنها تعتبر مجموعةً من اللوحات شبه المنفصلة، ويرى أنها أضعف روايات نجيب محفوظ، ورفضها أعطاها حجمًا أكبر من حجمها الحقيقي بكثير، خاصةً لو قُُورنت برواياتٍ أخرى له كـ"الكرنك" و"السمان والخريف".

واستطرد قميحة أن الحكم على العمل الفني لا ينبغي أن ينفرد به الحكم الديني وإنما يجب أن يكون النقد جامعًا شاملاً، ويُفضل دائمًا اتباع المنهج التكاملي في النقد، والنظر للعمل الأدبي على أساس أنه شريحة لها قيمتها من كل ناحية؛ لأن النقد المبتور يتسبب في ضعف النقد ذاته والإضرار بالعمل الأدبي.

حرية التعبير لا حرية التدمير

ويعود ليؤكد أن حرية التعبير لا تعني حرية التدمير، وإنما ينبغي على ضمير الكاتب أن يحكم الأمر وأن يعالج القضايا معالجةً نظيفةً انطلاقًا من ذاته واعتمادًا على القيم الموضوعية، وبالنسبة لهذه الرواية فمسألة أن نجيب محفوظ يضع فيها العلم في مواجهة الدين هي مسألة بعيدة التصور، ومثل هذه المسائل ترجع إلى النوايا أو إلى مقصد الكاتب.

واعتبر أن نشر الرواية رغم ضعفها أمرٌ لا بد منه لأنها تمثل مرحلةً من مراحل الكتابة لدى كاتبها، مؤكدًا أيضًا أن نشرها لن يكون ضربةً للدين وعدم نشرها أيضًا لن يكون انتصارًا له، فهو عمل أدبي قبل كل شيء وليس عملاً دينيًّا ونحن نتعامل مع القرَّاء على أنهم عقلاء ولديهم آليات الحكم والتمييز.

أما د. محمد رأفت عثمان- عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق- فيرى أن المانع من نشر هذه الرواية طوال الفترة الماضية كان بسبب مآخذ دينية وُجهت لها، فإذا كانت هذه المآخذ لا تزال موجودةً فنشر الرواية في هذه الحالة يُعد تحديًا للمشاعر الدينية، يُظهر أن دور النشر لا يهمها إلا المكاسب المادية عبر رواج المادة المنشورة.

ويضيف أما في حالة تعديل هذه المآخذ فالنشر في هذه الحالة يُعتبر مقبولاً، ويؤكد د. عثمان أن مجمع البحوث الإسلامية لا يتعسف في رفض الأعمال الأدبية، وهو ليس جهةً تنفيذيةً فكل ما يمكنه القيام به هو إصدار توصية أو اقتراح بالمنع إذا وجد في العمل ما يُخالف الدين، ولا يتم هذا إلا إذا بلغ إلى علمه انتقادات لعمل ما أو قام أحد المواطنين بتقديم شكوى ضد هذا العمل وتأكدت صحة هذه الشكوى.


من جهته انتقد د. حلمي القاعود- أستاذ النقد بجامعة طنطا- الضجة المثارة حول الرواية معتبرًا أنها طريقة معتادة ومتعمدة من العلمانيين للتشويش على القضايا الأساسية في المجتمع، متجاهلين ما لدى الإسلام من السماحة والرحابة والتي كانت تظهر في حضور الزنادقة واليهود والمجوس في مجلس المأمون، فيتناقشون بكل حرية ويعبرون عن آرائهم، أما العلمانيون اليوم فيتعاملون بالأسلوب الاستعماري الذي يسعى لقهر كل من يحترم ثقافته وتاريخه ويسعون لفرض الثقافة الأوروبية بطريقة الإرهاب الفكري.

ويرى القاعود في نشر الرواية اعتداءً على حق نجيب محفوظ شخصيًّا والذي رفض أن ينشرها إلا بموافقة الأزهر وأن يُصّدرها أحد علماء الإسلام، وإن كان قيام د. العوًّا، ود. أبو المجد بتصديرها، يُعد إنهاءً للقضية التي أخذت أكثر من حقها بكثير خاصة أن هذه الرواية تُعد من أردأ ما كتب نجيب محفوظ من الناحية الفنية أيضًا، ومؤكدًا أن إهمال هذه الكتابات يجعلها تصير إلى طي النسيان أفضل بكثير من مهاجمتها فتنال من الشهرة ما لا تستحق.

ويقارن القاعود بين موقف المثقفين من هذه الرواية وموقفهم من إغلاق 4 من دور النشر بالكامل ولم يُسمع لأي منهم أي صوت رفض أو استهجان، هذا بالإضافة لمنع مواقع النت من الصدور كما حدث مع موقع "إخوان ويب" مؤخرًا.

المعيار الفني

على الجانب الآخر يؤكد إبراهيم أصلان- الكاتب والروائي المصري- أن المعيار الوحيد للحكم على العمل الأدبي والفني ينبغي أن يكون المعيار الفني، وهو الذي يستطيع الحكم على العمل إن كان جيدًا أم لا، معتبرًا أن الخلاف بين النقاد يكون موجهًا للمضمون الفكري الذي يقدمه العمل ويبتعد عن التقييم الموضوعي المرتبط بالجانب الفني، في حين أن اختلاف الأذواق في تذوق أي عمل هي مسألة طبيعية مثل الاختلاف في تذوق الطعام، مؤكدًا أن ردود أفعال الناس غالبًا تكون انطباعية وغير موضوعية.



وعن الرواية فيؤكد أنها كانت دائمًا متاحة في مصر عبر طبعات بيروت، ونشرها في مصر لن يثير أي نوع من الجدل، رافضًا أي نوع من أنواع الرقابة على الفكر أو النشر، ومؤكدًا أن الضابط الوحيد هو ضمير الكاتب نفسه.

النقاش لا المنع

ويتفق معه في رفض أي نوع من أنواع الضوابط على الأعمال الأدبية والفنية د. إبراهيم عبد المجيد- الكاتب والروائي المصري- معتبرًا أن العمل الفني هو قضية قابلة للنقاش لا المنع، مبررًا هذا بأن أي عمل من السهل أن يجد فيه أحد الأشخاص ما يختلف معه، ورافضًا تحويل الأدب إلى قضية رأي عام، مشيرًا إلى أن توجيه النقد للأدب ينبغي أن يكون في الجانب الفني وليس الأخلاقي أو الديني أو الاجتماعي، ومؤكدًا أن الجو العام للمجتمع اليوم هو جو متخلف لا يسمح أو يقبل بالإبداع، وبالتالي فالأديب مطالب بأن يسبق هذا الجو وأن يسبق العصر كله ويكتشف الأماكن البكر التي لم يكتشفها الإنسان العادي، حتى لو كان هذا صادمًا أو مرفوضًا من قبل المجتمع.

ويضيف أن القارئ من حقه أن يوجه النقد الفني للعمل الأدبي ولكن ليس من حقه أن يفرض فكره على الكاتب، والكتاب إذا كان بالفعل منافيًا ومناقضًا لأخلاق المجتمع فلن يُباع، ولن يكون هناك احتياج لمنعه أو مصادرته.

وحول رواية "أولاد حارتنا" يرى د.عبد المجيد أنها رواية جيدة تطرح أسئلةً عديدةً حول العلم والدين وتصل في النهاية إلى حالة من المصالحة أن الإنسان المتعلم لا يصلح أن يكون ملحدًا، والمتدين لا يصح أن يكون جاهلاً، وإنما ينبغي أن يكون الإنسان متدينًا متعلمًا.

الخطوط الحمراء

وتطرح د. عزة هيكل- أستاذ الأدب بكلية الألسن- رؤيةً متوازنةً حول الرواية وخاصة أنها قامت بعمل بحث يحمل عنوان "أولاد حارتنا بين التأويل الفني والتفسير الديني"، مؤكدةً أنه لا يصح أن نعامل النص الأدبي على أنه نص ديني لأن كل الإنتاج البشري يحتمل الخطأ، وبعض الفنانين يستلهمون قصة الوجود بشكل ملحمي حتى يقربوها من أذهان القرَّاء بشكل يجمع بين الفلسفة والحياة في قالب فني، والرواية ليس بها أي انتقاص بالأنبياء بل إن شخصياتها ليست شخصيات الأنبياء فهي شخصيات معاصرة تعيش في حارة ولا ينبغي تأويلها بغير هذا.

وترفض د. عزة تصدير الرواية بأقلام رجال دين، معتبرةً أن هذا خروج بالرواية عن سياقها ومن يقدم لها ينبغي أن يكون ناقدًا أدبيًّا، موضحةً أيضًا أنها ضد أسلوب المنع والحجب، وتعتبر أن الحوار هو الأسلوب الوحيد المقبول في التعامل مع الفكر، وأن كانت تعود فتتمسك بخطوط حمراء لا ينبغي تخطيها كنشر فكر مضاد للدين أو يدعو للزندقة أو يهدم القيم أو يتعرض للذات الإلهية أو الأخلاق الأساسية في المجتمع، موضحةً أن الأدب ينبغي أن يكون وسيلةً لرقي الإنسان من دونيته بحيث يصبح أكثر إنسانيةً وتسامحًا وتفاهمًا وعطاءً.

ولا تجد مانعًا من إعطاء السلطة للرأي العام بأن يطالب بحذف فقرات أو عبارات متصادمة معه من أحد الأعمال وأن يرضخ الكاتب والناشر لهذه الرغبة وخاصة إذا دعمها مثقفون لا يمثلون انتماءً سياسيًّا أو دينيًّا بعينه.



سالي مشالي




تحقيق : سالي مشالي

ربما تؤدي الكلمة إلى نهضة أمة ، وأحيانا تكون السبب في الحروب والثورات ، أو تكون وسيلة من وسائل التنويم المغناطيسي وسلب الإرادة الجماعية لشعب بأكمله ، وأدب المقاومة هو اللطمات التي يتلقاها الشعب ليفيق من سباته ، هو الأدب الذي يُرسخ قيم عليا ويتبناها ويُدافع عنها ، هو الأدب الذي يُدافع عن الذات والهوية ، الذي يُناضل من أجل الحرية ، الذي يُعرفنا بحجم العدوان الواقع علينا ، وحجم إمكانياتنا وماذا نستطيع إن نفعل ، هو الخندق الذي نلجأ إليه وقت الأزمات ليحمينا من قذائف الباطل ، وهو النبع الذي نتزود منه حتى نستطيع الاستمرار في الدفاع والحفاظ على مواقعنا بعيدا عن ارض المعركة ولكن داخلها في الوقت ذاته ، ولا أحد يستطيع أن ينسى أشعار طاغور ،وبصورة مختلفة روايات همنجواي التي لم تكن تُقاوم الآخر وإنما كانت تٌقاوم العدوان والظلم داخل الذات ، وهناك القصيدة التي أسقطت شاوشيسكو ، فالفن اما إن يُخدر المجتمع أو يُوقظه ويحيي مماته ، فهل هناك أدب عربي معاصر يمكن إن يُطلق عليه أدب المقاومة ؟ وهل له دور ملموس في الحياة ؟ هل هو أدب غير جماهيري وغير مُجدي ؟ هل هو وصف للواقع أم تحريض على الفعل المستقبلي ؟ هل يحمل هذا الأدب أيدلوجية معينة؟ ومن الذي يُعبر عنها الآن ؟ هل مقاومة العولمة والتغريب والبحث عن الذات والهوية نوع من أنواع أدب المقاومة ؟ أسئلة كثيرة نحاول إن نُجيب عنها في هذا التحقيق


يبدأ د.جابر قميحة – أستاذ الأدب العربي – بتعريف مفهوم أدب المقاومة فيقول : أدب المقاومة : هو الشعر والنثر الذي يُعالج الأفكار الأساسية الآتية :
1 – فضح الاستعمار والظلم الواقع على الشعب .
2 – إستنهاض الشعب بطبقاته المختلفة للوقوف في وجه هذا الغزو الاستعماري ومقاومته
ومحاولة القضاء عليه .
3 – بث القيم المعنوية التي تتعلق بالمقاومة مثل ضرورة الاتصاف بالصبر والتضحية وتقديم
وتقديم مصلحة الأمة على المصلحة الخاصة .
4 – الإشادة بالأبطال والشهداء مثل أحمد يس وعبد العزيز الرنتيسي .
5 – النعي على الخونة والعملاء الذين يسيرون في ركب المستعمر المعتدي .

ويستطرد د. قميحة قائلا : وهذا النوع من الأدب اخذ عدة أسماء على مدار التاريخ ، فكان يُسمى قديما أدب الجهاد ، وكان للإسلام خطباؤه وشعراؤه الذين يجاهدون بالكلمة ويحمسون المسلمين ليتقدموا في الجهاد ، وعاد للظهور وقت الحملات الصليبية فقام الشعراء بتحميس الأمة لمقاومة هذا الغزو مع الإشادة بالشهداء ، ثم اخذ اسم جديد في وقتنا الحاضر وهو اسم أدب المقاومة ، ونجد صورته واضحة عند الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود والشاعر أبو سلمى وكذلك مطلق عبد الخالق ، وكان شعر هؤلاء يتعامل مع فلسطين مباشرة ، ثم ظهر شعر مقاومة آخر مصبوغ بأيدلوجية يسارية كما نجد عند محمود درويش ، وسميح قاسم ، وتوفيق الزيات .

أدب الجهاد

ويستطرد قائلا : وهذا النوع من الأدب قد يتناول أو يدور حول محاور تختلف باختلاف الظروف السياسية ، فمثلا نجد في وقتنا الحاضر ضمن شعر المقاومة الهجوم على الحكام العرب والمسلمين لتخاذلهم تجاه القضية الفلسطينية وتقديم التنازلات وإبداء التبعية لأمريكا التي أصبحت تلعب بأوراق هؤلاء الحكام ، وارى إن هذا النوع من الأدب ينبغي إن نعود إلى تسميته بأدب الجهاد لأن الجهاد له مفهوم شامل اما المعنى اللغوي للمقاومة فهو معنى ضيق إذ انه يعني إن ألجأ إلى المقاومة بمعنى أن أدافع بعد إن يقع على العدوان ، بينما الجهاد فهو تجنيد دائم واستعداد للدفاع والهجوم ، ومن هنا نجد الأوامر في القرآن " وجاهدوا " وليس "وقاوموا" وعلى أي حال تُضاف لهذا النوع من الأدب معانٍ جديدة بتطور الأوضاع السياسية في الشرق العربي وعلاقة العرب مع إسرائيل .

ضد الحكومات

ويعتبر يوسف أبو رية – الروائي المصري – إن هناك تناقض بين حدة الصراع القائم والذي نعيش فيه وبين التغييب الذي حدث على المستوى الفكري والأدبي ويقول : أدب المقاومة خبا طويلا وانسحب من الساحة ولم يطلع جيل جديد بقوة الشعراء والأدباء وكتاب الستينيات لأن في ذلك الوقت كان المشروع الناصري كله مشروع مقاومة وبالتالي كان يعطي الأولوية ومساحة في الإعلام للمقاومة ، حتى إن الإعلام المصري هو الذي قدم محمود درويش وتبناه
اما الآن فالحالة المصرية هي حالة انسحاب ، والنظام يخنق المواطنين داخل الأوطان وهذا يؤدي إلى إن تكون أولوية المقاومة موجهة ضد حكوماتنا ، لأنها هي التي تمنعنا من مقاومة الأغيار واتجهت الكتابة المقاومة للكمون داخل الذات بعد إن انتشرت الكتابة عن الجسد ، فأصبح الأديب بين فكي الرحى السلطة فوقه والجمهور الذي أصيب بالضحالة ولم يعد يملك إلا رؤية ضيقة على الجانب الآخر
ويرى أبو رية إن الأدب لابد إن يقوم على أيدلوجية فكرية ولا يُستثَنى أدب المقاومة من هذا المبدأ ولكن هذا لا يعني إن تكون هذه الأيدلوجية حزبية لأنه يقول : لا يوجد كاتب أو شاعر خرج من عباءة حزب سياسي ، لأنه إذا فعل يقتل الإبداع داخله فيظل حبيس أيدلوجية مقدسة لا يستطيع الخروج منها ، فأيدلوجية المقاومة فردية مستقاة من الموروث المعطى كالجاحظ والموروث الشعبي كألف ليلة وليلة وسيرة عنترة وأبو زيد الهلالي وهو في هذا يُدرك قانونها العام حتى يكون أصيلا لا مقلدا أو متبعا ، ثم يستمد حياته واستمراره من مجتمعه بكل أعباء هذا المجتمع فيجعل كل همه التأثير على الجماعة الإنسانية التي ينتمي لها من كشف عيوب وفساد ، على إن يكون صاحب صوت عالي وان كان من الممكن اللجوء للرمز أو للتاريخ مثل أدب نجيب محفوظ والإسقاط على الواقع مثل "كفاح طيبة"ونجد محفوظ لجأ هنا للفرعونية لأنها أيدلوجية عنده .

الجهل الناطق

ويرى أبو رية أننا في حالة صراع الجهل الناطق في مواجهة الوعي الغير ناطق ، وحتى يستطيع أدب المقاومة إن يؤثر في الجماهير يحتاج الأمر إلى تغير في موازين القوى وإن نكون في وضع ثوري ناضج والجمهور مفتوح المسام والثمرة مهيئة ، نحتاج إن يكون هناك أحزاب فاعلة والشارع المؤيد والشاعر أو الأديب الصادق ، الذي يرددوا قصائده أو يقرءوا أعماله ، إن نتخلص من الإعلام العربي السطحي التافه الذي لا يهتم إلا بما يُشكل عقليات خفيفة فيُنيم الأمة وينزع فتيل الشباب ، وليس شرطا إن يُدار أدب المقاومة في الثكنات ولكن ما يكون بين الناس والحياة وسط هذه المقاومة علينا إن نعبر عن مقاومتنا الداخلية أولا .

ليس ضد الذات

ويرى د. حامد أبو أحمد – عميد كلية اللغات والترجمة جامعة الازهر - إن أدب المقاومة هو كل ما يتناول سواء وصف أو تحريض أو حث أو دفاع طرف مظلوم ضد طرف ظالم ، وقد كان موجودا لدى العرب منذ ما قبل الإسلام في شكل أشعار حماسية أو تحريضية ، واستمر بعد الإسلام كشعر يدافع عن الدعوة ويرد على الأعداء، وكان له اثر كبير في التأثير وتحريك مجريات الأمور ويظهر هذا بوضوح في واقعة عمورية عندما جيّش المعتصم الجيوش استجابة لأبيات الشعر التي استغاثت به .
ويضيف د. حامد : فالمقاومة أشكالها تتغير من زمن إلى زمن واختلافها الآن ناتج عن أن الجيوش العربية تخلت عن الدفاع وبالتالي أصبح لزاما إن تكون المقاومة نابعة من الشعب ، ويعبر أدب المقاومة عن الظروف والحالة الموجودة على ارض الواقع ، وهو اما دفاعي حماسي أو تحريضي والمعتدي من الممكن إن يكون من نفس الأمة وليس شرطا إن يكون عدو خارجي كما حدث وقت اعتداء صدام حسين على الكويت وظهر وقتها أدب يقاوم هذا الاعتداء ، وان كان هناك حالات لا ينبغي إن يكون فيها أدب مقاوم ضد الآخر لأنه في هذه الحالة يكون مبتذل وضد الذات ، كما في حالة النزاع الأخير بين فتح وحماس ، ورغم انه مات خلالها أشخاص ، لكن لا يصح إن يظهر فيه أدب مقاومة .

التقاط اللحظة

وعايشت سلوى بكر – الكاتبة المصرية – حصار لبنان سنة 1982 ولمست بنفسها كيف استطاع أدب المقاومة مواكبة اللحظة وكان قادرا على إلهاب حماس المقاومين ورفع روحهم المعنوية والتوعية بصورة غير مباشرة بسبل الصمود والتحمل ، عن طريق الشعر والكتابة القصصية والمقال الأدبي الذي يستطيع إن يلتقط لحظة ما ويعبر عنها بحساسية عالية ، ورغم إن سلوى تعتبر إن الفارق الأساسي بين الرجل والمرأة هو فارق فسيولوجي جسماني بحت إلا أنها تقول : لا أنكر إن هناك كتابة نوعية للرجل وكتابة نوعية للمرأة لأن عوالم الرجل غير عوالم المرأة ومنظور كل منهما قد يختلف عن الآخر ، وقد كتبت عدة قصص عن حصار بيروت وكتبتها وقت الحصار منها " أسامة الذي لا يحب الطائرات " ولكن بعد حرب لبنان الأخيرة لا ينبغي إن ننتظر أن يكون هناك إنتاج أدبي فوري ، فالإبداع لا يكون برد الفعل المباشر ، ربما الشعر يمكن إن يكون فوري لأنه يعتمد على المشاعر والأحاسيس فيستطيع إن يلبي انفعال اللحظة ، ولكن من ذا الذي يستطيع إن يكتب رواية عن المقاومة في لبنان في بضعة شهور ، إن الأمر يحتاج انتظار وتحتاج التجربة إن يتم هضمها ، لأن الناس تستجيب فقط لما هو صادق وجيد ، اما الكتابة الأدبية ذات الطابع الدعائي فلا يستجيب لها احد ، والمتلقي الواعي يستطيع دائما التقاط ما بين السطور .


وينفي أسامة أنور عكاشة – الكاتب الروائي - إن يكون أدب المقاومة نوع من أنواع الدفاع عن ثقافة الوطن يقول : لا توجد ثقافة تُزيح ثقافة أو هوية تستطيع إلغاء هوية ، ونجد هذا واضح وجلي في تجربة الاحتلال الفرنسي للجزائر ، فرغم الجهود الجبارة التي بذلها الاحتلال إلا إن الجزائريين احتفظوا بهويتهم وثقافتهم ، وأدب المقاومة موجود في كل بلاد العالم وكان جليا في الوطن العربي بعد حرب فلسطين وحرب 56 ،كما أنتجت السينما فن يُعبر عن أدب المقاومة بصورة رائعة وجودة عالية في كل من الجزائر ومصر ولبنان وسوريا ، هذه الإعمال الفنية تعتمد في المقام الأول على أدب مكتوب ثم يتحول إلى فن مرأى أو مسموع ولا يمكن إن يخرج إلى النور فن قوي لو إن الكتابة ضعيفة .
ويرى عكاشة إن الوطنية لا تحتاج أيدلوجيا أو فكر وفق مذهب معين ، قد يكون الأمر كذلك ولكنه ليس شرطا ، واهم ما أدافع به عن نفسي ضد كل ما هو عدوان علي إن أحافظ على ذاتيتي كما كان يفعل نجيب محفوظ عندما كان يُصور في أدبه المجتمع بكل تفاصيله فكان أدبه أدب مقاوم من خلال التأكيد على الهوية والثقافة المصرية .