سالي مشالي

الحب في الجامعة .... غاية أم وسيلة ؟؟


تحقيق: سالي مشالي

منذ أول يوم يدخل فيه الشاب أو الفتاة الجامعة ينصب تفكيره على هدف واحد وهو كيف يقيم علاقةً غراميةً مع الجنس الآخر وغالبًا ما تختلف هذه العلاقات من حيث الشكل والمضمون، بل إن حالات الزواج نتيجة الارتباط الجامعي أو الحب في الجامعة أصبحت ضئيلةً جدًّا وهو ما يطرح تساؤلات عدة عن أسباب العلاقة طالما كانت نتيجتها الفشل وعدم الاستمرار، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت حبًّا من نوع خاص داخل أروقة الجامعة، فلم يعد الأمر مقصورًا على خطابات الغرام في دفاتر المحاضرات، أو لقاء حديقة الأورمان أو الحيوانات، وإنما تجاوزه لحب من نوع آخر تعددت أشكالُه ولكن ما أسبابه؟

هذا ما طرحناه في هذا التحقيق:

تقول ياسمين محمد - 28 سنة -: إن الفضول أهم الأسباب التي تجعل الشباب يرتبطون عاطفيًّا في الجامعة فكل من الطرفين لديه فضول شديد للتعرف على الطرف الآخر، ويعطي الاختلاط الكبير بين الجنسين الفرصةَ لإشباع ذلك، وتضيف: أعتقد أنهم في أغلب الأحوال جادون في الارتباط بعد ذلك ولكن الشاب يجرِّب نفسه وتأثيره على الفتيات اللاتي يسعدهن سماع الكلام الجميل والمعسول، والمشكلة أن الشاب لا يخاف على الفتاة ولم يعد لديه مفهوم أنها مثل أخته، والأخطر أن الفتاة لم تعد تخاف على نفسها هي الأخرى، وقد تنساق إلى كارثة نتيجة هذه العلاقة.

أما دينا سعيد - 22 سنة - فترى أن إهمال الأسرة وتباعد أفرادها هو السبب الأساسي وراء علاقات الحب في الجامعة، فالفتاة لا تجد من يستمع إليها أو يهتم بها من أفراد أسرتها، في حين تجد زميلها على استعداد أن يسمعها ويهتم بها ويتابعها على المحمول خطوة بخطوة، وهو ما لا يحدث من الأهل، كما أن هناك من الأهالي من يتغافل عن هذه الارتباطات باعتبارها "لعب عيال" فيكونون على علم بالأمر ولكن يرفض الأهل من الطرفين اتخاذ إجراء رسمي لأسباب مختلفة سواء مادية أو اجتماعية أو لعدم تأكدهم من البداية.

الحاجة إلى طرف آخر

وترى نشوى نشأت - 20 سنة- أن هذه العلاقات تقع مسئوليتها على الأهل لأنهم لم يعطوا الفتاة الشعور بالثقة بالنفس فأصبحت تحتاج في كل تحركاتها إلى ولي أمر يقف إلى جانبها وهو غالبًا يكون الشاب الذي ترتبط به، حتى أني سمعت إحدى صديقاتي تقول: لقد تعودت أن ارتبط بشاب، إن لم يكن فلانًا فغيره، المهم ألا أعيشَ بدون شخص يحبني وأحبه ونعيش تفاصيل الحياة معًا!!

وأحيانًا تلجأ الفتاة لهذا الحب نتيجة الكبت الذي تمارسه عليها أسرتها، فتأخذ الاتجاه العكسي عندًا لهذا الكبت.

دور أساتذة الجامعة

ويرى حازم خالد - 20 سنة - أن أغلب الشباب يتعاملون مع عاطفة الحب على أنها أمر طبيعي وعاطفة الإنسان مولود بها، فإذا كان هناك زميل لهم لم يحب يعتبرونه معقدًا ويتطوعون لتعريفه على إحدى الفتيات حتى يساعدوه على أن يفك عقده!! ويزيد من حجم المشكلة أن أساتذة الجامعة أغلبهم لا يقومون بأي دور تربوي مع الطلبة، فهم يدخلون المحاضرة ليلقوا المادة العلمية المطلوبة فقط لا غير، ولا يتطرقون لأي قضية أخلاقية أو اجتماعية سواء مرتبطة بالحياة الجامعية أو خارجها.

ويتفق حسام عبد العزيز مع حازم في إلقاء اللوم على أساتذة الجامعة، ويضيف: الأغاني أصبح لها دور كبير وتأثير عالٍ على توجهات الشباب، فبعضهم يحب فقط لأنه "عايش" مع أغنية معينة تتكلم عن الحب، وإذا ترك حبيبته استمع إلى أغنية ثانية تتكلم عن نسيان الماضي والبدء من جديد، وغالبًا تكون السنين الأولى من الجامعة تهريجًا، ولكن ربما في سنة رابعة تأخذ بعض العلاقات صورة أكثر جدية.

البحث عن النصف الآخر

وتقول نورا أحمد - 24 سنة -: إن هذه الارتباطات تحرم الطلاب من مرحلة عمرية مهمة، فينشغلون عن حياتهم الجامعية الدراسية أو الأنشطة الطلابية بالبحث عمن يحبون، فيظل الشاب والفتاة طوال الأربع سنين في الكلية يبحثان عن النصف الآخر، وهناك قناعة سائدة بين الشباب أن بعد انتهاء الجامعة سيصبح من الصعوبة العثور على شريك العمر، فأين سيجدون هذا العدد الكبير ليختاروا من بينه؟، كما أن طول مدة المعاشرة يعطي الفرصة لتكوين انطباعات أدق عن بعضهم البعض.

وترى سمر جمال - 16 سنة - أن السبب الرئيس للحب في الجامعة أن الشباب مهيأ نفسيًّا أنه سيتزوج بعد التخرج، وبالتالي فهو وقت مناسب للبحث عن من سيتزوجها، كما أن سن الجامعة هو سن الحب والرومانسية، وأنا أعرف فتيات لم يرتبطن في الجامعة، وبعد التخرج لم تجد الزوج المناسب وأصبحت تقول: يا ليتني أرتبط في الجامعة.

مراهق ثانوي

ويعلق د. هاشم البحيري - رئيس قسم علم النفس جامعة الأزهر - فيقول: إن الإنسان يمر بمراحل نمو نفسي متعددة، وتتميز مرحلة المراهقة أن الشاب يحب نفسه ويتباهى بشكله، ثم تأتي المرحلة التالية أنه يريد أن ينقل هذه الصورة إلى علاقة، فهو يريد أن يصبح في نظر الآخرين "كبير وناضج".

ويواجه المراهق والمراهقة في ثانوي مشكلة أن المراهقة متزامنةٌ مع مذاكرة ثانوية عامة والتي تحرمه من ممارسة مراهقته والحياة في مرحلته السنية فينقل معه هذه المشاعر المؤجلة إلى مرحلة الجامعة.

والحب كمعنى هو الاهتمام، وأحاسيس كل طرف أنه مهم لدى الطرف الآخر (فكل إنسان يحتاج لشخص يحتاج له).

ولا ننسى هنا تنبيه الأهل بالتقارب مع الأبناء، فلا بد أن تكون البنت صديقة لأمها لأنها الناصح الأمين، والأب صديقًا لابنه الأقرب والأهم.

ثائر أخلاقي

أما د. علي ليلة فيرى أن السبب الرئيس لعلاقات الحب هذه هي الحياة الجامعية ذاتها، فالإطار الجامعي يجمعهم في سياق واحد بكثافة عالية، وهم يتفاعلون عن قرب، يعيشون موقفًا واحدًا من إدارة الجامعة، من المواد الدراسية، الامتحانات... إلخ، شيء طبيعي حتى لو كانوا من جنس واحد أن تتطور لديهم مشاعر سلبية أو إيجابية تجاه بعضهم البعض.

كما أن الزمن الطويل يساعدهم على تطوير علاقاتهم المشتركة فتتعمق بعض العلاقات لتصبح علاقات عاطفية، وهي لحظات من المتعة والسعادة المؤقتة لا أتصور حتى لو تطورت إلى زواج أن تكون علاقات ناجحة، إن المجتمع كله يشارك في الدفع للاتجاه السلبي ولم يعد الأبناء يربون على الأسس الأخلاقية والدينية، والمنطقة الحرام كانت محدودة في فترات سابقة ولكنها عادت مؤخرًا، كما أن الإعلام يرسخ ثقافة الاستهلاك فنستهلك مشاعرنا وعواطفنا، ولم يعد لدى المجتمع هدف عام، فمعايير المجتمع أصبحت مسترخية.

والعلاج في نظر د. ليلة: ليس لنا سوى أن يكون هناك مسئول، صاحب قرار يهمه أمر المجتمع، زعامة ثقافية وأخلاقية تعيد الأمة لدينها وأخلاقها فالثقافة المحترمة لا بد أن تستند إلى أسس دينية.

هذه الصحوة يجب أن تكون ثورة أخلاقية يقودها ثائر أخلاقي، فيعيد الناس للاهتمام بالأهداف الهامة بعيدًا عما هم مستغرقون فيه من أشياء غريزية.

ويرجع د. محمد مهدي - أستاذ علم نفس طب الأزهر - هذه العلاقات إلى أن الشباب يمزج بين نمط الحب الغربي والنمط الإسلامي في الحب، ففي النمط الغربي طالما أن الطرفين قد أحبا بعضهما فمن حقهما أن يتعاملا بما يرضي كلاً منهما حتى لو وصلت للعلاقة الخاصة بين الزوجين، ولا دخل للمجتمع في هذه العلاقة، أما نمط الحب في الإسلام فهو مقيد بالإطار الشرعي الحلال، ومع الأسف فقد انخفض سقف العِفة، ففي الماضي كانت البنت لو ذات علاقة فهذا يهدد سمعتها، وستجد صعوبة في الزواج، بل إنه قد يسبب لها مشاكل ضخمة حتى لو تزوجت، أما الآن فهناك عوامل كثيرة أصبحت تأكل القيم الأخلاقية التي كانت تحافظ على العلاقات بين الناس.

كما أن العنصر الأخطر من وجهة نظري أن الأهالي لم يعودوا قدوة لأبنائهم فانهار رمز الأبوة والأمومة في نظر الأبناء.

ومن المهم تسمية الأشياء بمسمياتها فالعلاقات غير الشرعية هي "زنا" أو "فاحشة" وليست "حبًّا" أو "صداقة" أو "ارتباطًا" حتى تترك الأثر في نفس الفاعل ولا تصبح شيئًا عاديًّا ومعتادًا كما لو كان أي خطأ آخر.

إيجاد الرادع الشخصي والأسري والاجتماعي حتى لا تتطور هذه العلاقات لما هو أسوأ ويضيع المجتمع ككل فبداية الكارثة خطوة.

سبق نشره في فبراير 2006