- مصاريف الحضانة 20 ألف جنيه في العام والبعض يشترطها بالدولار
- خبراء التعليم: نحتاج مناهج تنطلق من ثقافتنا وقادرة على التنافس العالمي
- علماء الاجتماع: نحن أمام قنبلة اجتماعية وحالة من فقدان الانتماء
تحقيق- سالي مشالي
في هذه الأيام من كلِّ عامٍ يبدأ تفكير الأسر في التقديم لأبنائهم في المدارس، وتظهر إعلانات المدارس الخاصة التي تُغرق الصحف وأجهزة التلفاز الأرضية والفضائية لتجعل الاختيار كمَن يبحث عن إبرة وسط كومةٍ من القش، وهو ما جعل العلم لا يُقارن بالماء والهواء إلا إذا كان هذا الماء والهواء يُشترى بآلاف الدولارات واليوروات، فقد أصبحت قيمة الإنسان تتوقف على المبلغ الذي تم إنفاقه عليه في تعليمه، وبالتالي يتم رسم مستقبله منذ مرحلة الحضانة.
وبعد أن كان التعليم في مصر ينقسم إلى قسمين: الأول: هو "الأميري" كما يسميه المواطنون، وهي المدارس الحكومية في كل المراحل الدراسية والتي يُفترض أنها تقدم الخدمة التعليمية المجانية ودون مقابل أو بمقابل زهيد، والقسم الثاني هو المدارس الخاصة والتي يملكها مواطنون أو هيئات أو جمعيات، ولكنها لا تتبع الحكومة ويكون التعليم فيها مقابل مصروفات تتفاوت في قيمتها حسب مستوى الخدمة التي تقدمها المدرسة.
في الماضي كانت مدارس اللغات تدرس نفس المنهج المصري، ولكن بلغة المدرسة سواء أكانت إنجليزيةً أو فرنسيةً أو ألمانيةً، فكان الطلاب يخرجون جميعًا يحملون نفس الثقافة التاريخية والجغرافية والعلمية، ولكنْ كلٌّ باللغة التي درس بها، وأما الآن فهناك قنبلة تعليمية على وشك الانفجار ولا يعلم أحد عواقبها المستقبلية على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، هذه القنبلة هي فتح المجال أمام المدارس المصرية الخاصة للحصول على تراخيص من جامعات أمريكية لتدريس مناهج هذه الجامعات في مصر.
والكارثة تكمن في أن هذه المناهج موضوعة لتناسب الطالب الأمريكي والبيئة الأمريكية، ولا تُعبِّر بأي حالٍ عن بيئة الطلاب المصرية أو الإسلامية، والكارثة الأشد أن كل مدرسة تُدرِّس منهجًا ومواد تختلف عن باقي المدارس حسب الجامعة التي تعاقدت معها كل مدرسة، مما يؤدي إلى نشأة عدة ثقافات وعدة طبقات اجتماعية متنافرة، ولا يوجد ما يربط بينها، وفي غياب دور رقابي من وزارة التربية والتعليم ومجلس الشعب والمثقفين والوطنيين أصبح التعليم في مصر مفتوحًا على مصراعيه لمَن يريد الاستثمار.
ورغم قيام بعض المدارس وبجهدٍ فردي بمحاولاتٍ للمزج بين المنهج المصري والدين الإسلامي ومناهج المدارس الدولية إلا أن هذه المحاولات لا تزال في نطاق التجريب، وهو ما دلَّ عليه قيام إحدى المدارس بتدريس منهجها طوال العام ثم تُفاجأ المدرسة وأولياء الأمور أن الأبناء يحتاجون أن يجتازوا الامتحان في منهجٍ مختلفٍ تمامًا، وهو ما سمحت به الوزارة، ووسط هذه الفوضى طرح (إخوان أون لاين) العديدَ من الأسئلة للإجابة عليها، أهمها ما هو مستقبل التعليم في مصر في ظل هذه الأوضاع الفوضوية؟ وكيف سيكون حال المجتمع كنتيجةٍ لهذه الفوضى بعد 20 عامًا من الآن؟
في البداية التقينا بعددٍ من أولياء الأمور للتعرف على آرائهم في هذا الموضوع وكيفية اختيار المدارس المناسبة لأولادهم وغير ذلك.
تقول زينب أحمد- ربة منزل- لم يكن أمامي أي اختيارٍ في إلحاق أبنائي بالمدارس الأجنبية، فاللغة شرطٌ أساسي في سوق العمل الآن، وقد عانيت أنا نفسي ولم أجد فرصةَ عملٍ جيدة رغم أني خريجة فنون تطبيقية بسبب عائق اللغة، وبالتالي أردتُ أن أُجنِّب أبنائي المرور بنفس التجربة في المستقبل، ورغم أن أقساط المدرسة تقصم الظهر إلا أن زوجي سعى للحصول على عقد عملٍ بالخارج حتى نستطيع تحقيق مستقبل أفضل للأبناء.
وفي بداية حديثنا معه أبدى عبد الله بدوي- محاسب- أسفه وحزنه الشديدين بسبب وجود أبنائه في مدرسةٍ دولية، وقال: كنتُ أتمنى أن أجد مدرسةً مصريةً تُقدِّم خدمةً تعليميةً متميزة، ولكن بعد التنقل بين عدة مدارس كلها باهظة المصاريف كانت المحصلة دائمًا واحدة "إحباط واكتئاب وضغط عصبي وسوء معاملة وأساليب تربوية فاشلة"، فاتجهتُ بأبنائي إلى مدرسة بالنظام الدولي ورغم شعوري بالحزن لبعد سلوكها وأسلوب الدراسة فيها عن السلوك المصري أو الإسلامي أو حتى الشرقي، إلا أن حالة الأبناء النفسية تحسنت كثيرًا، وكذلك أداؤهم التعليمي، وأُحاول أن أُعطيهم القيم الأساسية المطلوبة عن طريق المنزل وشيخ لتحفيظ القرآن، وأدعو الله دائمًا أن يحفظهم.
ورغم أن أولياء الأمور يتعللون دائمًا بفشل التعليم في المدارس الحكومية وسوء المعاملة فيحولون أبناءهم إلى المدارس الخاصة أو الأجنبية، إلا أن فاطمة مصطفى (طبيبة) كانت تجربتها عكسية، وقالت لنا: كان أبنائي في مدرسةٍ دوليةٍ وكنتُ سعيدة بالأناشيد الإنجليزية التي يغنوها، ولكن مع الوقت ومع بداية الدخول في سنِّ المراهقة بدأت أخلاقُهم تسوء وأصبحوا يقلدون زملاءهم بشكلٍ بعيدٍ تمامًا عن التربية الإسلامية، خاصةً في مسألة التعامل مع الجنس الآخر، هذا فضلاً عن أن زيادة مساحة الحرية والجرأة والاستقلالية التي حصلوا عليها من المدرسة الدولية التي يدرسون بها جعلتني أشعر أني فقدتُ السيطرة عليهم، بل إنني سأفقدهم هم أنفسهم تمامًا ما لم أسعَ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبالتالي قمتُ بنقلهم إلى مدرسةٍ مصريةٍ رغم توسلاتهم لي، واعتبرتُ أني إذا خسرتُ قدرًا من التعليم فهذا خيرٌ لي من أن أخسر الأخلاق والدين والمستقبل كله.
الأمر كان مختلفًا مع إيمان محمد (مهندسة) التي بدأت كلامها معنا بتساؤل: ولماذا أُنفق كل هذه الأموال على مصاريف المدرسة؟! واستكملت قائلةً: "مصروفات هذه المدارس فلكية وتتخطى العشرين ألف جنيه للطفل في الحضانة، وهذا الأمر يتطلب إما أن أكون مليونيرة فلا يؤثر معي ذلك مثل هذا الرقم، أو أكون مجنونةً حتى أدفع هذا المبلغ كل عامٍ من أجل التقليد أو المنظرة، وأنا أجزم أن المناهج الموجودة في مصر ليست هي المناهج التي يدرسها أبناء هذه الدول في بلادهم الأصلية، بل إنها مناهج مشوهة لا تحمل قيمةً علميةً ولا أخلاقية، وأضافت: لو كنتُ أملك هذا المبلغ فالأولى تأمين مستقبل أبنائي بمشروعٍ أو شققٍ أو جهازٍ للبنات.
ويقترح محمد حجاج (مدرس بمدرسة لغات) حلاًّ لهذه الأزمة- من وجهة نظره- وهو: القيام بمشروعٍ قومي وطني تطوعي يُشارك فيه كل الوطنيين الغيورين المتخصصين والأكفاء، هذه الشخصيات الوطنية تُشارك في وضع منهجٍ بعيدٍ تمامًا عن منهج الوزارة وبعيد أيضًا عن المناهج المستوردة، يتضمن هذا المنهج الثقافة المصرية ولكن بكفاءة تستطيع التنافس العالمي، ويتم تطبيق هذا المنهج بمدرسة وامتحانات وشهادة غير تقليدية، يتم الاستفادة فيه من التجارب العالمية، ولكن بتطبيقٍ يناسب الخصوصية المصرية وتكون أولوية الالتحاق للمتفوقين وذوي القدرات المتميزة، وإنْ لم نفعل هذا بتمويلٍ وطني من رجال الأعمال المصريين الوطنيين فسنظل أُجراء عند العالم كله وسنظل في ذيل القائمة.
انتقلنا بهذه القضية إلى المحطة الثانية، وهم الخبراء والمتخصصون، لتحليلها ووضع الحلول المناسبة لها، فقالت نيفين السويفي (خبيرة تربوية): إن مشكلة المناهج الأجنبية الموجودة حاليًا في مصر أنها لا تُعتبر عالمية، وإنما هي مناهج أجنبية تابعة للدولة الآتية منها، وهي مصممة في الأساس لتناسب الطالب الذي يدرس في هذه البلاد، مشيرةً إلى أن بعض المدارس تقوم باستيراد هذه المناهج وتدريسها كما هي، والبعض الآخر يحاول ويجتهد أن يُدخل عليها تعديلات تتناسب إلى حدٍّ ما مع مجتمعنا.
وهذا التعديل- والكلام لـ"السويفي"- يختلف من مدرسةٍ لمدرسة، وحتى التعديل في حدِّ ذاته مشكلة؛ لأن هذه المناهج تأتي من بلادها مترابطة وواضعوها يعرفون جيدًا ماذا كتبوا فيها ولماذا، وعلم وضع المناهج هذا علم في حدِّ ذاته، وعندما آتي أنا فأُغير من هذه المناهج وأعدل فيها دون التعمق في التفاصيل أحدث فيها خللاً يصعب علاجه ويُؤثر على العملية التعليمية ككل.
وتضيف: أما مشكلة التعليم الأمريكي على وجه التحديد فهو أن كل ولاية هناك لها تعليمٌ مختلفٌ، وكل جامعة لها منهج يختلف عن باقي الجامعات في نفس الولاية، وهذه المناهج تشمل التاريخ والجغرافيا والمواد التي ترتبط بالهوية والانتماء، في السابق كان الطلبة يدرسون نفس المحتوى ولكن بلغاتٍ مختلفة، الآن أصبح المحتوى أيضًا مختلفًا، وبدلاً من أن يدرس تاريخ مصر الفرعوني أو الإسلامي أو تاريخ المنطقة العربية، أصبح يدرس تاريخ الأمريكتين وجغرافيتها، فيدخل للطلاب فكرٌ غربيٌّ خالصٌ في جوٍّ لا علاقةَ له بهذا الفكر، وبالتالي يحدث عند هؤلاء الطلبة تناقض، فهو إما أن يرفض ثقافته تمامًا ويتجه للخارج أو إذا كان يعيش في البيت في جوٍّ أسري مختلف يصاب بأزمة نفسية، وقد تكون النتيجة في النهاية أن يرفض الثقافتين ويصبح لا ينتمي إلا لنفسه.
وتستطرد قائلةً: إن بعض المدارس في مصر حاولت تغطية هذه الفجوة بإعداد مناهج تربوية حياتية، بالإضافة للمناهج التعليمية الأساسية، ولكن هذه المناهج لا تزال في طور التجربة، ولا يعلم أحد ماذا ستكون نتيجتها على المدى البعيد، والأهم أن الأهالي يبحثون بالإضافة لهذه المناهج عن المدرسين الأجانب بغض النظر عن تأهيلهم التربوي أو شهاداتهم، ولا أنكر أن أغلب الأجانب يُحسنون التصرف داخل الفصل ولو من باب أنهم يُعيدون ما اعتادوا عليه في بلادهم، ولكن رغم هذا وحتى لو كان المدرس الأجنبي مسلمًا تظل هناك فجوة ثقافية ونفسية واسعة بينه وبين طلابه، ورغم المهارات التعليمية والفكرية والسلوكية المتميزة التي يحصل عليها الطلاب واللغات الأجنبية التي يتقنونها، نظل نشعر بالأسى؛ لأنهم أثناء حصولهم على هذه العلوم والمهارات يفقدون جزءًا من هويتهم، ويصبحون مصبوغين بشكلٍ من الأشكال بصبغةٍ ملونةٍ قد تكون برَّاقة ولكنها ليست مصريةً أصيلة.
ويشرح د. فؤاد السعيد (الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية) المفهوم التقليدي للتعليم وهدفه الرئيسي، وهو تحقيق وحدة ثقافية للأجيال، بحيث يحصل النشء الجديد على أساسٍ من الثقافة الوطنية، ويقول: هذا موجودٌ في كلِّ دول العالم، بحيث نحصل على خريجين تمَّ تعليمهم في مجالاتٍ علميةٍ مختلفة وتخصصات متباينة، ولكنهم حاصلون على نفس الأساس من الثقافة الوطنية الواحدة.
ويرى أن الحادث الآن مع تنوع المناهج والمدارس واللغات هو أن الشباب يدرسون مواد الهوية (تاريخ، جغرافيا، أدب) بشكلٍ متباين، هؤلاء الأبناء تحدث لهم غربة داخل مجتمعهم، ومع الوقت يفقدون الأحساس بالانتماءِ إليه، وعلى الجانب الآخر نجد أن هؤلاء الخريجين ونظرًا لإمكانياتهم العلمية المتفوقة، وإمكانياتهم المادية أيضًا سيكتسحون سوق العمل، فهم الطبقة التي أتقنت اللغات الأجنبية وأدوات التواصل العالمية من إنترنت وحاسوب، ويحملون مع خريجي نفس هذه النوعية من المدارس على مستوى العالم نفس أنماط التفكير وطرق التحليل، وبالتالي فهم قادرون على التعامل مع الشركات عابرة القارات، وهذه الشركات بالفعل تطلب وظائف ذات مواصفات خاصة، وهذه المواصفات متوافرة في مصر أقل من المطلوب بكثير، أما الخريج المصري من الجامعات والمدارس الأهلية فلن يجد مكانًا على الساحة، وهذا سيُحدث تغييرًا واضحًا في الخريطة الطبقية خلال سنوات قليلة وستكون آثاره الاجتماعية أكبر بكثيرٍ مما يتصوره البعض؛ لأننا سنجد طبقة الاقتصاد العالمي ورجال الأعمال في مقابل طبقاتٍ وسطى ودنيا التفاوت بينهما كبير جدًّا، ولا بد من دراسة هذا الوضع وتوقع نتائجه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ويضيف: المقلق أن الطبقة العليا التي من المفترض فيها أن تكون القاطرة التي تجر المجتمع لمزيدٍ من التقدم، هذه الطبقة- في الأغلب- نشأت في الصعود الأخير وتحمل مؤشراتٍ سلبية، بل تحمل قيم "الفهلوة" والمضاربة غير المحسوبة والأنانية الشديدة وعدم الاستعداد للعطاء أو العمل الخيري أو المجتمعي أو الأهلي؛ بل إنهم يجتهدون في التهرب الضريبي، وفي حوادث متفرقة ظهر منهم صورٌ من الاستهتار وعدم احترام العرف والقانون والاستقواء بالمال والسلطة، ولا يبدو أنهم يحملون قيم احترام العمل والجهد والتميز.
ويطرح د. السعيد حلاًّ للخروج من هذه الأزمة بإشراكِ بعض رموز النخبة المثقفة والشخصيات العامة المستنيرة لتحديد الاتجاهات الرئيسية لتطوير التعليم في مصر وليس الاكتفاء بالخبراء التربويين الذين هم في الأساس موظفون منتمون ومتمسكون بالمنظومة الفاشلة التي اعتادوا عليها، وعلى الوزارة التفاوض مع المدارس الدولية لتدريس مواد وطنية بجانب المواد الأساسية الخاصة بكل مدرسة، ولتكن هذه المواد ولو كحصص استماع، ويمكن الضغط على المدارس عبر رفض الاعتراف بخريج هذه المدارس في مصر ما لم يدرس هذه المواد.
د. حسام بدراوي
وعندما ذهبنا إلى الدكتور حسام بدراوي- رئيس لجنة التعليم في مجلس الشعب سابقًا- لسؤاله عن دور مجلس الشعب في الرقابة والتنظيم للعملية التعليمية رفض الحديث في هذا الموضوع، واكتفى بتقديم تقريرٍ عن ازدواجية التعليم في مصر، ربما كان المفيد فيه هو الإحصاءات- إن كانت دقيقة- والتي توضح أن نسبة التلاميذ بالتعليم الخاص إلى إجمالي التلاميذ المقيدين بالمدارس في مختلف مراحل التعليم قبل الجامعي نحو 7%، وعدد المدارس الدولية في مصر 9 مدارس، وعدد المدارس الحاصلة على ترخيص الدبلومة الأمريكية 39 مدرسةً، والحاصلة على ترخيص IGCSE 61 مدرسةً.
ويقول التقرير حرفيًّا: "إن التساؤل الذي ينبغي الإجابة عنه هو: هل الوضع الراهن للتعليم المصري ينطوي على "ازدواجية".. أم ينطوي على "تعددية"؟، إن تعريف الحالة الراهنة للتعليم المصري كازدواجية يُثير درجةً من الالتباس والغموض في التعليم يستدعي توضيح درجة التناقض بين الأنظمة إنْ وُجدت؛ حيث إن هناك من التربويين مَن ينظر إلى الوضع الراهن بهذا المنظور، مما يعني في الوقت نفسه أن نظامًا واحدًا فيها هو الصحيح، أما بقيتها فينبغي نفيها حفاظًا على "الهوية" القومية.
أي أن التعريف بـ"الازدواجية" كما ينطوي على فهمٍ للمسارات الراهنة بأنها متناقضة فإنه ينطوي على فهمٍ أُحادي أيضًا لمعنى الهوية القومية لمصر، وبالتالي فإن السياسة التعليمية التي ترتبط بهذا التعريف (أو الوصف للحالة الراهنة) فإنها من ثم سياسة من شأنها أن تبقى على نظامٍ ما والاستغناء عن النظم الأخرى.. إن مَن يتبنى هذا التعريف إنما ينطلق من فكرة شمولية لا تعرف إلا بعدًا واحدًا صحيحًا للواقع الاجتماعي.
أما إذا عرفنا الحالة الراهنة للتعليم المصري على أنها "تعددية"، فوصف "التعددية" يرتبط بالحق الديمقراطي لكل جماعةٍ اجتماعيةٍ في الوطن في التعبير عن نفسها وحاجتها الثقافية والتربوية، والتكامل هو ما يحقق للوطن وحدته وقوته.. إن تعريف أو وصف "التعددية" ينطوي على مفهومٍ عن الهوية كإطارٍ ثقافي ينمو في خضم التطور التاريخي الاقتصادي الاجتماعي السياسي للمجتمع، وهو إطار متعدد الأبعاد، وأن الواقع التربوي نفسه على النحو الذي هو عليه هو نتائج للتطور التاريخي نفسه.. وبين الاثنين علاقة تأثير وتأثر".
وعندما انتقلنا إلى أحد مسئولي وزارة التربية والتعليم (رفض نشر اسمه) قال: الوزارة تقوم بالفعل بالإشراف على كل المدارس في الجمهورية بما فيها المدارس الخاصة ذات المنهج الأجنبي؛ لأن أي مدرسة في مصر لا تستطيع إلحاق أي طالبٍ بها ما لم تحصل على ترخيصٍ من الوزارة، فتقوم الوزارة بمعاينة المدرسة وتقييم إذا كانت إمكانياتها تسمح بتطبيق هذا النوع من التعليم؛ لأن المناهج الأجنبية تحتاج معامل ومدرسين وإمكانيات ذات مواصفات خاصة.
ويستطرد: تطوير التعليم في مصر معركة شرسة على وجوه كثيرة، منها التمويل والكوادر الإنسانية وإمكانيات الطلاب ومفاهيم المجتمع ذاته التي تسعى دائمًا من أجل الشهادة بغض النظر عن المحتوى التعليمي الذي حصل عليه الطالب، فالتعليم المطور من وجهة نظر الأهالي هو امتحانات أسهل ودرجات أعلى تؤدي بالطلبة جميعًا للطب والهندسة- بغض النظر عن ميولهم وإمكانياتهم- والواقع أن المناهج التي نُدرسها أعلى من مناهج الدول الأجنبية، لكن الضعف يكمن في أسلوب التدريس وطريقة التقييم أو الامتحان، والعقبة تكمن في التساؤل: كيف يمكن أن ننقل التعليم من أسلوب التعليم المرتبط بالقرن الماضي إلى أسلوب التعليم الذي يُجاري العصر، ورغم أن هناك مناهج الآن جديدة تفاعلية لمراحل التعليم الأولي إلا أن هناك مقاومةً من قِبل المدرسين الذين يرفضون التدريس بطريقةٍ مختلفةٍ عمَّا اعتادوا عليه سنين طويلة، خاصةً أن طريقة الإلقاء هذه أسهل بالنسبة للمدرس، ومع ذلك فالتدريب مستمر على مستوى مدرسي كل المدارس وكل المراحل التعليمية، وإن كان العائد والحصيلة ليست المطلوبة، ربما لشعور المدرسين بالإحباط وعدم تصديقهم أن برامج التدريب حقيقية، وإنما يتعاملون معها بأسلوبٍ روتيني كما يتعاملون مع وظيفتهم.
ويضيف: لم يعد التعليم للأسف الشديد هو الحاكم على الطبقات الاجتماعية، ولا وسيلة للحِراك الاجتماعي، ففي الماضي كان الشخص الذي يتمنى الصعود الاجتماعي يعلم أن وسيلته لتحقيق هذا ستكون عبر التعليم، ولكن ما يحدث الآن هو العكس، فالحاصلون على الشهادات الجامعية لا يجدون عملاً مناسبًا لتعليمهم وتمنعهم شهاداتهم من العمل في أعمال أقل.
وفي رأيي فالمجتمع الآن ينقسم إلى عدة فئات: فقير غبي.. وهذا سيعمل في الأعمال الدنيا ولن يعاني منه المجتمع، وفقير ذكي.. وهذا سيجتهد ويستفيد من ذكائه في تحسين مستواه، وغني ذكي.. وهذا الأبواب كلها مفتوحة له من أجل التألق والنجاح، ولكن كارثة مصر الأساسية في الفئة الأخيرة.. وهي الغني الغبي.. وهذا هو سبب الفساد والفشل في البلاد؛ لأنه يشتري بماله ما لا يستحق من شهادات، وبالتالي يتولى مناصب هو آخر مَن ينبغي أن يتولاها.
- خبراء التعليم: نحتاج مناهج تنطلق من ثقافتنا وقادرة على التنافس العالمي
- علماء الاجتماع: نحن أمام قنبلة اجتماعية وحالة من فقدان الانتماء
تحقيق- سالي مشالي
في هذه الأيام من كلِّ عامٍ يبدأ تفكير الأسر في التقديم لأبنائهم في المدارس، وتظهر إعلانات المدارس الخاصة التي تُغرق الصحف وأجهزة التلفاز الأرضية والفضائية لتجعل الاختيار كمَن يبحث عن إبرة وسط كومةٍ من القش، وهو ما جعل العلم لا يُقارن بالماء والهواء إلا إذا كان هذا الماء والهواء يُشترى بآلاف الدولارات واليوروات، فقد أصبحت قيمة الإنسان تتوقف على المبلغ الذي تم إنفاقه عليه في تعليمه، وبالتالي يتم رسم مستقبله منذ مرحلة الحضانة.
وبعد أن كان التعليم في مصر ينقسم إلى قسمين: الأول: هو "الأميري" كما يسميه المواطنون، وهي المدارس الحكومية في كل المراحل الدراسية والتي يُفترض أنها تقدم الخدمة التعليمية المجانية ودون مقابل أو بمقابل زهيد، والقسم الثاني هو المدارس الخاصة والتي يملكها مواطنون أو هيئات أو جمعيات، ولكنها لا تتبع الحكومة ويكون التعليم فيها مقابل مصروفات تتفاوت في قيمتها حسب مستوى الخدمة التي تقدمها المدرسة.
في الماضي كانت مدارس اللغات تدرس نفس المنهج المصري، ولكن بلغة المدرسة سواء أكانت إنجليزيةً أو فرنسيةً أو ألمانيةً، فكان الطلاب يخرجون جميعًا يحملون نفس الثقافة التاريخية والجغرافية والعلمية، ولكنْ كلٌّ باللغة التي درس بها، وأما الآن فهناك قنبلة تعليمية على وشك الانفجار ولا يعلم أحد عواقبها المستقبلية على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، هذه القنبلة هي فتح المجال أمام المدارس المصرية الخاصة للحصول على تراخيص من جامعات أمريكية لتدريس مناهج هذه الجامعات في مصر.
والكارثة تكمن في أن هذه المناهج موضوعة لتناسب الطالب الأمريكي والبيئة الأمريكية، ولا تُعبِّر بأي حالٍ عن بيئة الطلاب المصرية أو الإسلامية، والكارثة الأشد أن كل مدرسة تُدرِّس منهجًا ومواد تختلف عن باقي المدارس حسب الجامعة التي تعاقدت معها كل مدرسة، مما يؤدي إلى نشأة عدة ثقافات وعدة طبقات اجتماعية متنافرة، ولا يوجد ما يربط بينها، وفي غياب دور رقابي من وزارة التربية والتعليم ومجلس الشعب والمثقفين والوطنيين أصبح التعليم في مصر مفتوحًا على مصراعيه لمَن يريد الاستثمار.
ورغم قيام بعض المدارس وبجهدٍ فردي بمحاولاتٍ للمزج بين المنهج المصري والدين الإسلامي ومناهج المدارس الدولية إلا أن هذه المحاولات لا تزال في نطاق التجريب، وهو ما دلَّ عليه قيام إحدى المدارس بتدريس منهجها طوال العام ثم تُفاجأ المدرسة وأولياء الأمور أن الأبناء يحتاجون أن يجتازوا الامتحان في منهجٍ مختلفٍ تمامًا، وهو ما سمحت به الوزارة، ووسط هذه الفوضى طرح (إخوان أون لاين) العديدَ من الأسئلة للإجابة عليها، أهمها ما هو مستقبل التعليم في مصر في ظل هذه الأوضاع الفوضوية؟ وكيف سيكون حال المجتمع كنتيجةٍ لهذه الفوضى بعد 20 عامًا من الآن؟
في البداية التقينا بعددٍ من أولياء الأمور للتعرف على آرائهم في هذا الموضوع وكيفية اختيار المدارس المناسبة لأولادهم وغير ذلك.
تقول زينب أحمد- ربة منزل- لم يكن أمامي أي اختيارٍ في إلحاق أبنائي بالمدارس الأجنبية، فاللغة شرطٌ أساسي في سوق العمل الآن، وقد عانيت أنا نفسي ولم أجد فرصةَ عملٍ جيدة رغم أني خريجة فنون تطبيقية بسبب عائق اللغة، وبالتالي أردتُ أن أُجنِّب أبنائي المرور بنفس التجربة في المستقبل، ورغم أن أقساط المدرسة تقصم الظهر إلا أن زوجي سعى للحصول على عقد عملٍ بالخارج حتى نستطيع تحقيق مستقبل أفضل للأبناء.
مضطرون !!
وفي بداية حديثنا معه أبدى عبد الله بدوي- محاسب- أسفه وحزنه الشديدين بسبب وجود أبنائه في مدرسةٍ دولية، وقال: كنتُ أتمنى أن أجد مدرسةً مصريةً تُقدِّم خدمةً تعليميةً متميزة، ولكن بعد التنقل بين عدة مدارس كلها باهظة المصاريف كانت المحصلة دائمًا واحدة "إحباط واكتئاب وضغط عصبي وسوء معاملة وأساليب تربوية فاشلة"، فاتجهتُ بأبنائي إلى مدرسة بالنظام الدولي ورغم شعوري بالحزن لبعد سلوكها وأسلوب الدراسة فيها عن السلوك المصري أو الإسلامي أو حتى الشرقي، إلا أن حالة الأبناء النفسية تحسنت كثيرًا، وكذلك أداؤهم التعليمي، وأُحاول أن أُعطيهم القيم الأساسية المطلوبة عن طريق المنزل وشيخ لتحفيظ القرآن، وأدعو الله دائمًا أن يحفظهم.
ورغم أن أولياء الأمور يتعللون دائمًا بفشل التعليم في المدارس الحكومية وسوء المعاملة فيحولون أبناءهم إلى المدارس الخاصة أو الأجنبية، إلا أن فاطمة مصطفى (طبيبة) كانت تجربتها عكسية، وقالت لنا: كان أبنائي في مدرسةٍ دوليةٍ وكنتُ سعيدة بالأناشيد الإنجليزية التي يغنوها، ولكن مع الوقت ومع بداية الدخول في سنِّ المراهقة بدأت أخلاقُهم تسوء وأصبحوا يقلدون زملاءهم بشكلٍ بعيدٍ تمامًا عن التربية الإسلامية، خاصةً في مسألة التعامل مع الجنس الآخر، هذا فضلاً عن أن زيادة مساحة الحرية والجرأة والاستقلالية التي حصلوا عليها من المدرسة الدولية التي يدرسون بها جعلتني أشعر أني فقدتُ السيطرة عليهم، بل إنني سأفقدهم هم أنفسهم تمامًا ما لم أسعَ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبالتالي قمتُ بنقلهم إلى مدرسةٍ مصريةٍ رغم توسلاتهم لي، واعتبرتُ أني إذا خسرتُ قدرًا من التعليم فهذا خيرٌ لي من أن أخسر الأخلاق والدين والمستقبل كله.
مناهج مشوهة
الأمر كان مختلفًا مع إيمان محمد (مهندسة) التي بدأت كلامها معنا بتساؤل: ولماذا أُنفق كل هذه الأموال على مصاريف المدرسة؟! واستكملت قائلةً: "مصروفات هذه المدارس فلكية وتتخطى العشرين ألف جنيه للطفل في الحضانة، وهذا الأمر يتطلب إما أن أكون مليونيرة فلا يؤثر معي ذلك مثل هذا الرقم، أو أكون مجنونةً حتى أدفع هذا المبلغ كل عامٍ من أجل التقليد أو المنظرة، وأنا أجزم أن المناهج الموجودة في مصر ليست هي المناهج التي يدرسها أبناء هذه الدول في بلادهم الأصلية، بل إنها مناهج مشوهة لا تحمل قيمةً علميةً ولا أخلاقية، وأضافت: لو كنتُ أملك هذا المبلغ فالأولى تأمين مستقبل أبنائي بمشروعٍ أو شققٍ أو جهازٍ للبنات.
مشروع بديل
ويقترح محمد حجاج (مدرس بمدرسة لغات) حلاًّ لهذه الأزمة- من وجهة نظره- وهو: القيام بمشروعٍ قومي وطني تطوعي يُشارك فيه كل الوطنيين الغيورين المتخصصين والأكفاء، هذه الشخصيات الوطنية تُشارك في وضع منهجٍ بعيدٍ تمامًا عن منهج الوزارة وبعيد أيضًا عن المناهج المستوردة، يتضمن هذا المنهج الثقافة المصرية ولكن بكفاءة تستطيع التنافس العالمي، ويتم تطبيق هذا المنهج بمدرسة وامتحانات وشهادة غير تقليدية، يتم الاستفادة فيه من التجارب العالمية، ولكن بتطبيقٍ يناسب الخصوصية المصرية وتكون أولوية الالتحاق للمتفوقين وذوي القدرات المتميزة، وإنْ لم نفعل هذا بتمويلٍ وطني من رجال الأعمال المصريين الوطنيين فسنظل أُجراء عند العالم كله وسنظل في ذيل القائمة.
خطورة التعديل
انتقلنا بهذه القضية إلى المحطة الثانية، وهم الخبراء والمتخصصون، لتحليلها ووضع الحلول المناسبة لها، فقالت نيفين السويفي (خبيرة تربوية): إن مشكلة المناهج الأجنبية الموجودة حاليًا في مصر أنها لا تُعتبر عالمية، وإنما هي مناهج أجنبية تابعة للدولة الآتية منها، وهي مصممة في الأساس لتناسب الطالب الذي يدرس في هذه البلاد، مشيرةً إلى أن بعض المدارس تقوم باستيراد هذه المناهج وتدريسها كما هي، والبعض الآخر يحاول ويجتهد أن يُدخل عليها تعديلات تتناسب إلى حدٍّ ما مع مجتمعنا.
المدارس الأجنبية تعتمد تدريس الأفكار والثقافة الغربية
وهذا التعديل- والكلام لـ"السويفي"- يختلف من مدرسةٍ لمدرسة، وحتى التعديل في حدِّ ذاته مشكلة؛ لأن هذه المناهج تأتي من بلادها مترابطة وواضعوها يعرفون جيدًا ماذا كتبوا فيها ولماذا، وعلم وضع المناهج هذا علم في حدِّ ذاته، وعندما آتي أنا فأُغير من هذه المناهج وأعدل فيها دون التعمق في التفاصيل أحدث فيها خللاً يصعب علاجه ويُؤثر على العملية التعليمية ككل.
وتضيف: أما مشكلة التعليم الأمريكي على وجه التحديد فهو أن كل ولاية هناك لها تعليمٌ مختلفٌ، وكل جامعة لها منهج يختلف عن باقي الجامعات في نفس الولاية، وهذه المناهج تشمل التاريخ والجغرافيا والمواد التي ترتبط بالهوية والانتماء، في السابق كان الطلبة يدرسون نفس المحتوى ولكن بلغاتٍ مختلفة، الآن أصبح المحتوى أيضًا مختلفًا، وبدلاً من أن يدرس تاريخ مصر الفرعوني أو الإسلامي أو تاريخ المنطقة العربية، أصبح يدرس تاريخ الأمريكتين وجغرافيتها، فيدخل للطلاب فكرٌ غربيٌّ خالصٌ في جوٍّ لا علاقةَ له بهذا الفكر، وبالتالي يحدث عند هؤلاء الطلبة تناقض، فهو إما أن يرفض ثقافته تمامًا ويتجه للخارج أو إذا كان يعيش في البيت في جوٍّ أسري مختلف يصاب بأزمة نفسية، وقد تكون النتيجة في النهاية أن يرفض الثقافتين ويصبح لا ينتمي إلا لنفسه.
وتستطرد قائلةً: إن بعض المدارس في مصر حاولت تغطية هذه الفجوة بإعداد مناهج تربوية حياتية، بالإضافة للمناهج التعليمية الأساسية، ولكن هذه المناهج لا تزال في طور التجربة، ولا يعلم أحد ماذا ستكون نتيجتها على المدى البعيد، والأهم أن الأهالي يبحثون بالإضافة لهذه المناهج عن المدرسين الأجانب بغض النظر عن تأهيلهم التربوي أو شهاداتهم، ولا أنكر أن أغلب الأجانب يُحسنون التصرف داخل الفصل ولو من باب أنهم يُعيدون ما اعتادوا عليه في بلادهم، ولكن رغم هذا وحتى لو كان المدرس الأجنبي مسلمًا تظل هناك فجوة ثقافية ونفسية واسعة بينه وبين طلابه، ورغم المهارات التعليمية والفكرية والسلوكية المتميزة التي يحصل عليها الطلاب واللغات الأجنبية التي يتقنونها، نظل نشعر بالأسى؛ لأنهم أثناء حصولهم على هذه العلوم والمهارات يفقدون جزءًا من هويتهم، ويصبحون مصبوغين بشكلٍ من الأشكال بصبغةٍ ملونةٍ قد تكون برَّاقة ولكنها ليست مصريةً أصيلة.
غرباء في مجتمعهم
ويشرح د. فؤاد السعيد (الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية) المفهوم التقليدي للتعليم وهدفه الرئيسي، وهو تحقيق وحدة ثقافية للأجيال، بحيث يحصل النشء الجديد على أساسٍ من الثقافة الوطنية، ويقول: هذا موجودٌ في كلِّ دول العالم، بحيث نحصل على خريجين تمَّ تعليمهم في مجالاتٍ علميةٍ مختلفة وتخصصات متباينة، ولكنهم حاصلون على نفس الأساس من الثقافة الوطنية الواحدة.
ويرى أن الحادث الآن مع تنوع المناهج والمدارس واللغات هو أن الشباب يدرسون مواد الهوية (تاريخ، جغرافيا، أدب) بشكلٍ متباين، هؤلاء الأبناء تحدث لهم غربة داخل مجتمعهم، ومع الوقت يفقدون الأحساس بالانتماءِ إليه، وعلى الجانب الآخر نجد أن هؤلاء الخريجين ونظرًا لإمكانياتهم العلمية المتفوقة، وإمكانياتهم المادية أيضًا سيكتسحون سوق العمل، فهم الطبقة التي أتقنت اللغات الأجنبية وأدوات التواصل العالمية من إنترنت وحاسوب، ويحملون مع خريجي نفس هذه النوعية من المدارس على مستوى العالم نفس أنماط التفكير وطرق التحليل، وبالتالي فهم قادرون على التعامل مع الشركات عابرة القارات، وهذه الشركات بالفعل تطلب وظائف ذات مواصفات خاصة، وهذه المواصفات متوافرة في مصر أقل من المطلوب بكثير، أما الخريج المصري من الجامعات والمدارس الأهلية فلن يجد مكانًا على الساحة، وهذا سيُحدث تغييرًا واضحًا في الخريطة الطبقية خلال سنوات قليلة وستكون آثاره الاجتماعية أكبر بكثيرٍ مما يتصوره البعض؛ لأننا سنجد طبقة الاقتصاد العالمي ورجال الأعمال في مقابل طبقاتٍ وسطى ودنيا التفاوت بينهما كبير جدًّا، ولا بد من دراسة هذا الوضع وتوقع نتائجه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ويضيف: المقلق أن الطبقة العليا التي من المفترض فيها أن تكون القاطرة التي تجر المجتمع لمزيدٍ من التقدم، هذه الطبقة- في الأغلب- نشأت في الصعود الأخير وتحمل مؤشراتٍ سلبية، بل تحمل قيم "الفهلوة" والمضاربة غير المحسوبة والأنانية الشديدة وعدم الاستعداد للعطاء أو العمل الخيري أو المجتمعي أو الأهلي؛ بل إنهم يجتهدون في التهرب الضريبي، وفي حوادث متفرقة ظهر منهم صورٌ من الاستهتار وعدم احترام العرف والقانون والاستقواء بالمال والسلطة، ولا يبدو أنهم يحملون قيم احترام العمل والجهد والتميز.
ويطرح د. السعيد حلاًّ للخروج من هذه الأزمة بإشراكِ بعض رموز النخبة المثقفة والشخصيات العامة المستنيرة لتحديد الاتجاهات الرئيسية لتطوير التعليم في مصر وليس الاكتفاء بالخبراء التربويين الذين هم في الأساس موظفون منتمون ومتمسكون بالمنظومة الفاشلة التي اعتادوا عليها، وعلى الوزارة التفاوض مع المدارس الدولية لتدريس مواد وطنية بجانب المواد الأساسية الخاصة بكل مدرسة، ولتكن هذه المواد ولو كحصص استماع، ويمكن الضغط على المدارس عبر رفض الاعتراف بخريج هذه المدارس في مصر ما لم يدرس هذه المواد.
ازدواجية أم تعددية؟
د. حسام بدراوي
وعندما ذهبنا إلى الدكتور حسام بدراوي- رئيس لجنة التعليم في مجلس الشعب سابقًا- لسؤاله عن دور مجلس الشعب في الرقابة والتنظيم للعملية التعليمية رفض الحديث في هذا الموضوع، واكتفى بتقديم تقريرٍ عن ازدواجية التعليم في مصر، ربما كان المفيد فيه هو الإحصاءات- إن كانت دقيقة- والتي توضح أن نسبة التلاميذ بالتعليم الخاص إلى إجمالي التلاميذ المقيدين بالمدارس في مختلف مراحل التعليم قبل الجامعي نحو 7%، وعدد المدارس الدولية في مصر 9 مدارس، وعدد المدارس الحاصلة على ترخيص الدبلومة الأمريكية 39 مدرسةً، والحاصلة على ترخيص IGCSE 61 مدرسةً.
ويقول التقرير حرفيًّا: "إن التساؤل الذي ينبغي الإجابة عنه هو: هل الوضع الراهن للتعليم المصري ينطوي على "ازدواجية".. أم ينطوي على "تعددية"؟، إن تعريف الحالة الراهنة للتعليم المصري كازدواجية يُثير درجةً من الالتباس والغموض في التعليم يستدعي توضيح درجة التناقض بين الأنظمة إنْ وُجدت؛ حيث إن هناك من التربويين مَن ينظر إلى الوضع الراهن بهذا المنظور، مما يعني في الوقت نفسه أن نظامًا واحدًا فيها هو الصحيح، أما بقيتها فينبغي نفيها حفاظًا على "الهوية" القومية.
أي أن التعريف بـ"الازدواجية" كما ينطوي على فهمٍ للمسارات الراهنة بأنها متناقضة فإنه ينطوي على فهمٍ أُحادي أيضًا لمعنى الهوية القومية لمصر، وبالتالي فإن السياسة التعليمية التي ترتبط بهذا التعريف (أو الوصف للحالة الراهنة) فإنها من ثم سياسة من شأنها أن تبقى على نظامٍ ما والاستغناء عن النظم الأخرى.. إن مَن يتبنى هذا التعريف إنما ينطلق من فكرة شمولية لا تعرف إلا بعدًا واحدًا صحيحًا للواقع الاجتماعي.
أما إذا عرفنا الحالة الراهنة للتعليم المصري على أنها "تعددية"، فوصف "التعددية" يرتبط بالحق الديمقراطي لكل جماعةٍ اجتماعيةٍ في الوطن في التعبير عن نفسها وحاجتها الثقافية والتربوية، والتكامل هو ما يحقق للوطن وحدته وقوته.. إن تعريف أو وصف "التعددية" ينطوي على مفهومٍ عن الهوية كإطارٍ ثقافي ينمو في خضم التطور التاريخي الاقتصادي الاجتماعي السياسي للمجتمع، وهو إطار متعدد الأبعاد، وأن الواقع التربوي نفسه على النحو الذي هو عليه هو نتائج للتطور التاريخي نفسه.. وبين الاثنين علاقة تأثير وتأثر".
التطوير معركة شرسة
وعندما انتقلنا إلى أحد مسئولي وزارة التربية والتعليم (رفض نشر اسمه) قال: الوزارة تقوم بالفعل بالإشراف على كل المدارس في الجمهورية بما فيها المدارس الخاصة ذات المنهج الأجنبي؛ لأن أي مدرسة في مصر لا تستطيع إلحاق أي طالبٍ بها ما لم تحصل على ترخيصٍ من الوزارة، فتقوم الوزارة بمعاينة المدرسة وتقييم إذا كانت إمكانياتها تسمح بتطبيق هذا النوع من التعليم؛ لأن المناهج الأجنبية تحتاج معامل ومدرسين وإمكانيات ذات مواصفات خاصة.
وزارة التربية والتعليم
ويستطرد: تطوير التعليم في مصر معركة شرسة على وجوه كثيرة، منها التمويل والكوادر الإنسانية وإمكانيات الطلاب ومفاهيم المجتمع ذاته التي تسعى دائمًا من أجل الشهادة بغض النظر عن المحتوى التعليمي الذي حصل عليه الطالب، فالتعليم المطور من وجهة نظر الأهالي هو امتحانات أسهل ودرجات أعلى تؤدي بالطلبة جميعًا للطب والهندسة- بغض النظر عن ميولهم وإمكانياتهم- والواقع أن المناهج التي نُدرسها أعلى من مناهج الدول الأجنبية، لكن الضعف يكمن في أسلوب التدريس وطريقة التقييم أو الامتحان، والعقبة تكمن في التساؤل: كيف يمكن أن ننقل التعليم من أسلوب التعليم المرتبط بالقرن الماضي إلى أسلوب التعليم الذي يُجاري العصر، ورغم أن هناك مناهج الآن جديدة تفاعلية لمراحل التعليم الأولي إلا أن هناك مقاومةً من قِبل المدرسين الذين يرفضون التدريس بطريقةٍ مختلفةٍ عمَّا اعتادوا عليه سنين طويلة، خاصةً أن طريقة الإلقاء هذه أسهل بالنسبة للمدرس، ومع ذلك فالتدريب مستمر على مستوى مدرسي كل المدارس وكل المراحل التعليمية، وإن كان العائد والحصيلة ليست المطلوبة، ربما لشعور المدرسين بالإحباط وعدم تصديقهم أن برامج التدريب حقيقية، وإنما يتعاملون معها بأسلوبٍ روتيني كما يتعاملون مع وظيفتهم.
ويضيف: لم يعد التعليم للأسف الشديد هو الحاكم على الطبقات الاجتماعية، ولا وسيلة للحِراك الاجتماعي، ففي الماضي كان الشخص الذي يتمنى الصعود الاجتماعي يعلم أن وسيلته لتحقيق هذا ستكون عبر التعليم، ولكن ما يحدث الآن هو العكس، فالحاصلون على الشهادات الجامعية لا يجدون عملاً مناسبًا لتعليمهم وتمنعهم شهاداتهم من العمل في أعمال أقل.
وفي رأيي فالمجتمع الآن ينقسم إلى عدة فئات: فقير غبي.. وهذا سيعمل في الأعمال الدنيا ولن يعاني منه المجتمع، وفقير ذكي.. وهذا سيجتهد ويستفيد من ذكائه في تحسين مستواه، وغني ذكي.. وهذا الأبواب كلها مفتوحة له من أجل التألق والنجاح، ولكن كارثة مصر الأساسية في الفئة الأخيرة.. وهي الغني الغبي.. وهذا هو سبب الفساد والفشل في البلاد؛ لأنه يشتري بماله ما لا يستحق من شهادات، وبالتالي يتولى مناصب هو آخر مَن ينبغي أن يتولاها.
معادلة كلية الهندسة جامعة القاهرة
انت خريج معهد فنى صناعى او دبلوم ؟؟؟ تعرف انك ممكن تدخل كلية الهندسة وتبقى مهندس اد الدنيا
عن طريق انك تعمل معادلة كلية الهندسة جامعة القاهرة, واحنا في مركز النور هنخليك تنجح وبتفوق كمان لاننا بنقدملك محاضرات وشروحات خاصة بالمعادلة مع محاضرين ومدرسين متخصصين في مواد المعادلة
اتصل على 01118585670
معادلة كلية الهندسة جامعة القاهرة
http://www.eng-elnour.com
معادلة كلية الهندسة جامعة القاهرة
اذا كنت تريد عمل معادلة كلية الهندسة فعليك التوجه الي مركز النور فهو به نخبه من افضل المدرسين و الاساتذه اللي هتساعدك في شرح مواد معادلة كلية الهندسة جامعة القاهرة و بأفضل الاساليب لكي تجتاز الامتحانات بسهوله
اتصل بنا علي الرقم 01093189974 – 0111612616161
http://www.engelnour.com