تحقيق : سالي مشالي
ربما تؤدي الكلمة إلى نهضة أمة ، وأحيانا تكون السبب في الحروب والثورات ، أو تكون وسيلة من وسائل التنويم المغناطيسي وسلب الإرادة الجماعية لشعب بأكمله ، وأدب المقاومة هو اللطمات التي يتلقاها الشعب ليفيق من سباته ، هو الأدب الذي يُرسخ قيم عليا ويتبناها ويُدافع عنها ، هو الأدب الذي يُدافع عن الذات والهوية ، الذي يُناضل من أجل الحرية ، الذي يُعرفنا بحجم العدوان الواقع علينا ، وحجم إمكانياتنا وماذا نستطيع إن نفعل ، هو الخندق الذي نلجأ إليه وقت الأزمات ليحمينا من قذائف الباطل ، وهو النبع الذي نتزود منه حتى نستطيع الاستمرار في الدفاع والحفاظ على مواقعنا بعيدا عن ارض المعركة ولكن داخلها في الوقت ذاته ، ولا أحد يستطيع أن ينسى أشعار طاغور ،وبصورة مختلفة روايات همنجواي التي لم تكن تُقاوم الآخر وإنما كانت تٌقاوم العدوان والظلم داخل الذات ، وهناك القصيدة التي أسقطت شاوشيسكو ، فالفن اما إن يُخدر المجتمع أو يُوقظه ويحيي مماته ، فهل هناك أدب عربي معاصر يمكن إن يُطلق عليه أدب المقاومة ؟ وهل له دور ملموس في الحياة ؟ هل هو أدب غير جماهيري وغير مُجدي ؟ هل هو وصف للواقع أم تحريض على الفعل المستقبلي ؟ هل يحمل هذا الأدب أيدلوجية معينة؟ ومن الذي يُعبر عنها الآن ؟ هل مقاومة العولمة والتغريب والبحث عن الذات والهوية نوع من أنواع أدب المقاومة ؟ أسئلة كثيرة نحاول إن نُجيب عنها في هذا التحقيق
يبدأ د.جابر قميحة – أستاذ الأدب العربي – بتعريف مفهوم أدب المقاومة فيقول : أدب المقاومة : هو الشعر والنثر الذي يُعالج الأفكار الأساسية الآتية :
1 – فضح الاستعمار والظلم الواقع على الشعب .
2 – إستنهاض الشعب بطبقاته المختلفة للوقوف في وجه هذا الغزو الاستعماري ومقاومته
ومحاولة القضاء عليه .
3 – بث القيم المعنوية التي تتعلق بالمقاومة مثل ضرورة الاتصاف بالصبر والتضحية وتقديم
وتقديم مصلحة الأمة على المصلحة الخاصة .
4 – الإشادة بالأبطال والشهداء مثل أحمد يس وعبد العزيز الرنتيسي .
5 – النعي على الخونة والعملاء الذين يسيرون في ركب المستعمر المعتدي .
ويستطرد د. قميحة قائلا : وهذا النوع من الأدب اخذ عدة أسماء على مدار التاريخ ، فكان يُسمى قديما أدب الجهاد ، وكان للإسلام خطباؤه وشعراؤه الذين يجاهدون بالكلمة ويحمسون المسلمين ليتقدموا في الجهاد ، وعاد للظهور وقت الحملات الصليبية فقام الشعراء بتحميس الأمة لمقاومة هذا الغزو مع الإشادة بالشهداء ، ثم اخذ اسم جديد في وقتنا الحاضر وهو اسم أدب المقاومة ، ونجد صورته واضحة عند الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود والشاعر أبو سلمى وكذلك مطلق عبد الخالق ، وكان شعر هؤلاء يتعامل مع فلسطين مباشرة ، ثم ظهر شعر مقاومة آخر مصبوغ بأيدلوجية يسارية كما نجد عند محمود درويش ، وسميح قاسم ، وتوفيق الزيات .
أدب الجهاد
ويستطرد قائلا : وهذا النوع من الأدب قد يتناول أو يدور حول محاور تختلف باختلاف الظروف السياسية ، فمثلا نجد في وقتنا الحاضر ضمن شعر المقاومة الهجوم على الحكام العرب والمسلمين لتخاذلهم تجاه القضية الفلسطينية وتقديم التنازلات وإبداء التبعية لأمريكا التي أصبحت تلعب بأوراق هؤلاء الحكام ، وارى إن هذا النوع من الأدب ينبغي إن نعود إلى تسميته بأدب الجهاد لأن الجهاد له مفهوم شامل اما المعنى اللغوي للمقاومة فهو معنى ضيق إذ انه يعني إن ألجأ إلى المقاومة بمعنى أن أدافع بعد إن يقع على العدوان ، بينما الجهاد فهو تجنيد دائم واستعداد للدفاع والهجوم ، ومن هنا نجد الأوامر في القرآن " وجاهدوا " وليس "وقاوموا" وعلى أي حال تُضاف لهذا النوع من الأدب معانٍ جديدة بتطور الأوضاع السياسية في الشرق العربي وعلاقة العرب مع إسرائيل .
ضد الحكومات
ويعتبر يوسف أبو رية – الروائي المصري – إن هناك تناقض بين حدة الصراع القائم والذي نعيش فيه وبين التغييب الذي حدث على المستوى الفكري والأدبي ويقول : أدب المقاومة خبا طويلا وانسحب من الساحة ولم يطلع جيل جديد بقوة الشعراء والأدباء وكتاب الستينيات لأن في ذلك الوقت كان المشروع الناصري كله مشروع مقاومة وبالتالي كان يعطي الأولوية ومساحة في الإعلام للمقاومة ، حتى إن الإعلام المصري هو الذي قدم محمود درويش وتبناه
اما الآن فالحالة المصرية هي حالة انسحاب ، والنظام يخنق المواطنين داخل الأوطان وهذا يؤدي إلى إن تكون أولوية المقاومة موجهة ضد حكوماتنا ، لأنها هي التي تمنعنا من مقاومة الأغيار واتجهت الكتابة المقاومة للكمون داخل الذات بعد إن انتشرت الكتابة عن الجسد ، فأصبح الأديب بين فكي الرحى السلطة فوقه والجمهور الذي أصيب بالضحالة ولم يعد يملك إلا رؤية ضيقة على الجانب الآخر
ويرى أبو رية إن الأدب لابد إن يقوم على أيدلوجية فكرية ولا يُستثَنى أدب المقاومة من هذا المبدأ ولكن هذا لا يعني إن تكون هذه الأيدلوجية حزبية لأنه يقول : لا يوجد كاتب أو شاعر خرج من عباءة حزب سياسي ، لأنه إذا فعل يقتل الإبداع داخله فيظل حبيس أيدلوجية مقدسة لا يستطيع الخروج منها ، فأيدلوجية المقاومة فردية مستقاة من الموروث المعطى كالجاحظ والموروث الشعبي كألف ليلة وليلة وسيرة عنترة وأبو زيد الهلالي وهو في هذا يُدرك قانونها العام حتى يكون أصيلا لا مقلدا أو متبعا ، ثم يستمد حياته واستمراره من مجتمعه بكل أعباء هذا المجتمع فيجعل كل همه التأثير على الجماعة الإنسانية التي ينتمي لها من كشف عيوب وفساد ، على إن يكون صاحب صوت عالي وان كان من الممكن اللجوء للرمز أو للتاريخ مثل أدب نجيب محفوظ والإسقاط على الواقع مثل "كفاح طيبة"ونجد محفوظ لجأ هنا للفرعونية لأنها أيدلوجية عنده .
الجهل الناطق
ويرى أبو رية أننا في حالة صراع الجهل الناطق في مواجهة الوعي الغير ناطق ، وحتى يستطيع أدب المقاومة إن يؤثر في الجماهير يحتاج الأمر إلى تغير في موازين القوى وإن نكون في وضع ثوري ناضج والجمهور مفتوح المسام والثمرة مهيئة ، نحتاج إن يكون هناك أحزاب فاعلة والشارع المؤيد والشاعر أو الأديب الصادق ، الذي يرددوا قصائده أو يقرءوا أعماله ، إن نتخلص من الإعلام العربي السطحي التافه الذي لا يهتم إلا بما يُشكل عقليات خفيفة فيُنيم الأمة وينزع فتيل الشباب ، وليس شرطا إن يُدار أدب المقاومة في الثكنات ولكن ما يكون بين الناس والحياة وسط هذه المقاومة علينا إن نعبر عن مقاومتنا الداخلية أولا .
ليس ضد الذات
ويرى د. حامد أبو أحمد – عميد كلية اللغات والترجمة جامعة الازهر - إن أدب المقاومة هو كل ما يتناول سواء وصف أو تحريض أو حث أو دفاع طرف مظلوم ضد طرف ظالم ، وقد كان موجودا لدى العرب منذ ما قبل الإسلام في شكل أشعار حماسية أو تحريضية ، واستمر بعد الإسلام كشعر يدافع عن الدعوة ويرد على الأعداء، وكان له اثر كبير في التأثير وتحريك مجريات الأمور ويظهر هذا بوضوح في واقعة عمورية عندما جيّش المعتصم الجيوش استجابة لأبيات الشعر التي استغاثت به .
ويضيف د. حامد : فالمقاومة أشكالها تتغير من زمن إلى زمن واختلافها الآن ناتج عن أن الجيوش العربية تخلت عن الدفاع وبالتالي أصبح لزاما إن تكون المقاومة نابعة من الشعب ، ويعبر أدب المقاومة عن الظروف والحالة الموجودة على ارض الواقع ، وهو اما دفاعي حماسي أو تحريضي والمعتدي من الممكن إن يكون من نفس الأمة وليس شرطا إن يكون عدو خارجي كما حدث وقت اعتداء صدام حسين على الكويت وظهر وقتها أدب يقاوم هذا الاعتداء ، وان كان هناك حالات لا ينبغي إن يكون فيها أدب مقاوم ضد الآخر لأنه في هذه الحالة يكون مبتذل وضد الذات ، كما في حالة النزاع الأخير بين فتح وحماس ، ورغم انه مات خلالها أشخاص ، لكن لا يصح إن يظهر فيه أدب مقاومة .
التقاط اللحظة
وعايشت سلوى بكر – الكاتبة المصرية – حصار لبنان سنة 1982 ولمست بنفسها كيف استطاع أدب المقاومة مواكبة اللحظة وكان قادرا على إلهاب حماس المقاومين ورفع روحهم المعنوية والتوعية بصورة غير مباشرة بسبل الصمود والتحمل ، عن طريق الشعر والكتابة القصصية والمقال الأدبي الذي يستطيع إن يلتقط لحظة ما ويعبر عنها بحساسية عالية ، ورغم إن سلوى تعتبر إن الفارق الأساسي بين الرجل والمرأة هو فارق فسيولوجي جسماني بحت إلا أنها تقول : لا أنكر إن هناك كتابة نوعية للرجل وكتابة نوعية للمرأة لأن عوالم الرجل غير عوالم المرأة ومنظور كل منهما قد يختلف عن الآخر ، وقد كتبت عدة قصص عن حصار بيروت وكتبتها وقت الحصار منها " أسامة الذي لا يحب الطائرات " ولكن بعد حرب لبنان الأخيرة لا ينبغي إن ننتظر أن يكون هناك إنتاج أدبي فوري ، فالإبداع لا يكون برد الفعل المباشر ، ربما الشعر يمكن إن يكون فوري لأنه يعتمد على المشاعر والأحاسيس فيستطيع إن يلبي انفعال اللحظة ، ولكن من ذا الذي يستطيع إن يكتب رواية عن المقاومة في لبنان في بضعة شهور ، إن الأمر يحتاج انتظار وتحتاج التجربة إن يتم هضمها ، لأن الناس تستجيب فقط لما هو صادق وجيد ، اما الكتابة الأدبية ذات الطابع الدعائي فلا يستجيب لها احد ، والمتلقي الواعي يستطيع دائما التقاط ما بين السطور .
وينفي أسامة أنور عكاشة – الكاتب الروائي - إن يكون أدب المقاومة نوع من أنواع الدفاع عن ثقافة الوطن يقول : لا توجد ثقافة تُزيح ثقافة أو هوية تستطيع إلغاء هوية ، ونجد هذا واضح وجلي في تجربة الاحتلال الفرنسي للجزائر ، فرغم الجهود الجبارة التي بذلها الاحتلال إلا إن الجزائريين احتفظوا بهويتهم وثقافتهم ، وأدب المقاومة موجود في كل بلاد العالم وكان جليا في الوطن العربي بعد حرب فلسطين وحرب 56 ،كما أنتجت السينما فن يُعبر عن أدب المقاومة بصورة رائعة وجودة عالية في كل من الجزائر ومصر ولبنان وسوريا ، هذه الإعمال الفنية تعتمد في المقام الأول على أدب مكتوب ثم يتحول إلى فن مرأى أو مسموع ولا يمكن إن يخرج إلى النور فن قوي لو إن الكتابة ضعيفة .
ويرى عكاشة إن الوطنية لا تحتاج أيدلوجيا أو فكر وفق مذهب معين ، قد يكون الأمر كذلك ولكنه ليس شرطا ، واهم ما أدافع به عن نفسي ضد كل ما هو عدوان علي إن أحافظ على ذاتيتي كما كان يفعل نجيب محفوظ عندما كان يُصور في أدبه المجتمع بكل تفاصيله فكان أدبه أدب مقاوم من خلال التأكيد على الهوية والثقافة المصرية .
إرسال تعليق