سالي مشالي
بكالوريوس في السعادة الزوجية


تحقيق - سالي مشالي

الزواج هو أهم مشروع في حياة كل إنسان وفي حياة ابنائه وفي حياة المجتمع على النطاق الواسع بعد ذلك، وهذا المشروع يحتاج مثل أي مشروع إلى دراسة وتخطيط وتعلم وإصرار على النجاح، فالتوفيق في الزواج هو بداية النجاح على كل المستويات النفسية والاجتماعية والعملية، والفشل فيه يُفقد أي نجاح آخر معناه.

ويخطئ من يظن أن الشروع في إقامة حياة زوجية هو الارتباط بزميلة الدراسة التي رأى فيها الفتاة الجميلة أو رأت هي فيه الشاب «الروش» خفيف الظل، وهو أيضاً ليس الصورة التقليدية التي يلجأ إليها البعض فيكتفون بزيارة أو زيارتين رسميتين يقررون بعدها إتمام الزواج.
ولعل سوء تقديرنا لسبل ووسائل اختيار شريك الحياة ثم كيفية التعامل ومواجهة المشاكل المحتملة وطرق حلها هي أهم أسباب ارتفاع نسب الطلاق في الوطن العربي، حيث وصل الطلاق في مصر إلى 75 ألف حالة خلال عامي 2006 و 2007، وبلغ في السعودية في بعض المناطق 60 في المائة، والحال في باقي الدول العربية ليس أفضل في أغلب الأحوال.
ورغم تسليم الكثيرين بأن الزواج «بطيخة» فإن ارتباط حياتنا بالعلم من وجوه كثيرة ساعد على إيجاد أساليب وحلول متطورة تساعد كل طرف على فهم نفسه من جهة، وتساعده أيضاً على فهم الطرف الآخر.
ومن أهم الدول التي اتخذت خطوات إيجابية جداً لإنجاح الزواج وخفض نسب الطلاق .. ماليزيا.

برنامج تدريبي

فالطلاق في ماليزيا كانت نسبته في التسعينيات 37 في المائة ولكنهم نجحوا في خفض هذه النسبة إلى 7 في المائة خلال الأعوام السابقة بعد أن فرضوا على كل فتى وفتاة قبل الزواج الدخول في برنامج تدريبي لمدة شهر يتفرغ خلاله تماماً للدراسة ويحسب هذا التفرغ من الإجازة المدفوعة الراتب بالنسبة للعمل، وتم منع قبول أي طلب للزواج ما لم يكن المتقدم بهذا الطلب قد حصل على شهادة معتمدة من أحد المعاهد المتخصصة يثبت تلقيه التدريب.
هذه الدورات ليست مجهولة لدينا ولكنها لم تنتشر بعد على نطاق واسع، ففي السعودية تبنت فتاة من تبوك تنظيم دورات للفتيات المقبلات على الزواج، وفي مصر قامت بعض مراكز التنمية البشرية وبعض المساجد بتبني هذه الدورات والدعوة للالتحاق بها، ولكن الأمر لايزال في صورة جهود فردية واجتهادية.

منهج منوع

أحد هذه المراكز اهتم بتقسيم منهج الدورة إلى ثلاثة محاور، المحور الأول: كان الجانب الاجتماعي والنفسي، وتم فيه تناول أسس اختيار شريك الحياة وكيفية التأقلم معه ومع أسرته ومع المجتمع ككل من خلال الأسرة الجديدة، والمحور الثاني: تناول الجانب الديني وحقوق الزوجين من وجهة نظر الدين، أما المحور الثالث: فارتبط بالثقافة الجنسية، ولكن التجربة على وجه العموم لا تزال في بداياتها وتحتاج إلى أن تقوم بعض الشركات والمؤسسات بتبنيها إنقاذاً لحياتنا الاجتماعية التي تزداد انهياراً يوماً بعد يوم.

الزواج والتدريب

محمد عباس ـ 28 سنة ـ هو أحد الشباب الذين حضروا إحدى هذه الدورات وهو خاطب في الوقت الحالي، يقول عن أسباب التحاقه بدورة المقبلين على الزواج: «تعودنا قبل القيام بأي عمل أن نتدرب عليه...
فقيادة السيارة تحتاج إلى تدريب، واستخدام الكمبيوتر يلزمه عدة دورات، وإقامة حياة زوجية مسألة في غاية الأهمية ويخطئ كثير من الناس عندما يتعامل مع الأمر بـ «البركة» أو من خلال خبرات أصدقائه أو إخوته، لأن لكل حالة وشخصية ظروفها التي لا يمكن اقتباس حلول لها من الآخرين»، وعن مدى استفادته من الدورة يؤكد عباس أنها أضافت الكثير إلى معلوماته وخبراته حتى انه يرغب في تكرار الإلتحاق بدورات أخرى في المستقبل، ومن الدروس العملية التي استخدمها بالفعل يقول: «هناك تجربة تعلمتها في ورشة عمل الدورة، وهي أن الرجل عند احتدام الخلاف بينه وبين زوجته عليه أن يقول كلمة طيبة كأن يقول لها «عشان بحبك ... كذا»، أو «لأنك غالية علي.. كذا» وقد جربتها بالفعل وأدت لنتائج رائعة».

قصة السعادة

خطيبته مروة محمد خليل ـ 25 سنة ـ تقول عن أسباب التحاقها بالدورة «أهتم منذ فترة بدورات التنمية البشرية في كل المجالات، وأحرص على نقل ما أتعلمه لأكبر عدد ممكن، وهذه الدورة على وجه التحديد في غاية الأهمية، فإذا كنا نسعى لبناء قصر للسعادة الزوجية، فإن هذا القصر ينبغي أن يقوم على أساسات قوية وثابتة» وتؤكد مروة أن ما تعلمته خلال الدورة لا يمكنها إعادة وصفه لأنه ببساطة أصبح راسخاً في عقلها اللاواعي وردود أفعالها تتم بناء عليه بصورة تلقائية.
وبالرغم من تعرض إسراء الشبراوي ـ 24 سنة ـ لتجربة خطبة سابقة، إلا أنها حرصت على حضور الدورة، وتؤكد إسراء أنها لو كانت شاركت في هذه الدورة قبل فسخ خطوبتها ربما تغيرت أشياء كثيرة ولعل الخطوبة كانت ستستمر بنجاح، تقول إسراء: «هناك كثير من الخلافات كانت تحدث بيني وبين خطيبي ولم أكن أعرف كيف أتعامل معها أو أحتويها، ولكني من خلال الدورة اكتشفت أخطاء في ردود أفعالي وفي ردود أفعاله لم أكن أراها من قبل، ولعلي أستفيد منها في المرة القادمة» وتشدد إسراء على أن سماع المحاضرات من طرف واحد لا يؤدي للنتيجة المطلوبة، وبالتالي لابد من حضور الطرف الآخر ليحدث الإنسجام والتفاهم المطلوب.

سرعة الزواج

وترى منى إسماعيل ـ 23 سنة ـ أنها بالرغم من أنها لم ترتبط بعد إلا أن حضورها الدورة أضاف لها الكثير، وتقول: «بعد ان أنهيت الدورة شعرت بحماسة كبيرة وتمنيت أن أتزوج على وجه السرعة حتى أُطبق ما تعلمته من خلال هذه الدورة».

ضعف الإقبال

وتنتقد المهندسة سحر منصور مديرة مركز «خطوة» للتنمية البشرية الذي قام بعقد دورة تدريبية للمقبلين على الزواج، ضعف الإقبال على الالتحاق بالدورة التي تم الإعلان عنها فترة طويلة، وبالرغم من هذا فإن عدد المشاركين لم يزد عن عشرة أشخاص أكثرهم من الفتيات غير المرتبطات، وتفسر هذا بقولها: «إن أكثر الناس في بلادنا العربية مازالوا غير مقتنعين بحاجتهم لتلقي علوم في فن إدارة الحياة الزوجية، فالكل يرى أنه يستطيع أن ينجح دونها كما نجح أبواه من قبل، ويفوتهم أن الاستمرار في حد ذاته لا يعني بالضرورة النجاح، وعليهم أن يقيّموا التجربة بنوعية الحياة التي يرغبون فيها، ولا يتبنوا نظرية: «أهي عيشة والسلام» وهو الخلل الذي نبذل كل جهدنا لإصلاحه».
وتضيف: بالرغم من هذا فالتجربة ناجحة للغاية والشباب والفتيات الذين اشتركوا أكدوا من خلال استمارة التقييم أنهم استفادوا منها وأنهم وجدوا فيها أكثر مما كانوا يتوقعون، خاصة أنها احتوت على جانب من المشاركة وورش العمل ولم تقتصر على أسلوب الإلقاء.
وتبرر قلة عدد المشاركين من الشباب مقابل الفتيات بأن الفتيات عادة أكثر مرونة ورغبة في التطور والتغيير كما أن الشباب يركزون على العمل ولو احتاجوا الالتحاق بدورة فستكون في جانب يضيف لحياتهم العملية، خاصة أن أغلب الرجال الشرقيين يلقون بمسؤولية نجاح الحياة الزوجية على عاتق الزوجات.

معلومات جديدة

ويتحمس د. أحمد عبدالله أستاذ الطب النفسي ـ بجامعة الزقازيق ـ لفكرة نشر هذه الدورات، موضحاً أنه من خلال الدورات التي شارك في تدريسها وجد أن انطباع أكثر الشباب والفتيات هو الدهشة والتعجب لسماعهم معلومات لم يكن لديهم أدنى فكرة أنهم يجهلونها، وأكد أن معظمهم كان يتوقع أن يسمع معلومات ليست بالجديدة عليه، وكان مما أثار دهشتهم ردود الحاضرين على سؤال حول انطباعاتهم عن الزواج والعلاقة الزوجية وتوقعاتهم من الزواج، وظن الجميع في البداية أن الإجابة واحدة، ولكن الردود تباينت وهو ما أثار انتباههم إلى أن الحياة الزوجية قد لا تكون عبارة عن نموذج واحد فقط هو الذي رآه كل منهم في منزل أسرته، وتأكد هذا الانطباع كلما طُرحت قضية للنقاش واختلفت الردود والآراء.
ويفسر د. عبدالله هذا بأن خريطة كل إنسان وموروثاته تختلف من شخص لآخر، والغالبية العظمى من الشباب والفتيات أُسس الإختيار لديهم غير واضحة ولم يشرح لهم أحد من قبل كيف يختارون الشخص المناسب لهم، وما هي الاشياء التي ينبغي أن يتناقش فيها الخطيبان ليتأكدا أنهما مشروع قابل للنجاح، وكيف يشرح كل منهم نفسه للآخر.
ويأمل د. عبد الله ان يساهم نشر هذه الدورات في إصلاح الخلل الذي أصاب المجتمع ككل وهو يعتبر أن تجربة الزواج الناجحة فيه أصبحت تستحق أن تخضع للدراسة والتحليل للوقوف على أسباب نجاحها.
ويثني د. فؤاد السعيد ـ الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ـ على التجربة الماليزية، مشيراً إلى أن نجاحها يتماشي مع نجاح التخطيط الشرق أسيوي بصورة عامة في السنوات العشرين الماضية، موضحاً أن هذه الدول تحدد مشاكلها بشكل واقعي ثم تبدأ في وضع خطط ملزمة للجماعة وبالتالي تأتي بنتائج مذهلة.

الإتجاه الصحيح

واعتبر أن البدء في تنفيذ هذه الدورات في مجتمعاتنا العربية بذرة في الاتجاه الصحيح، ولكنه في الوقت ذاته شك في إمكانية نجاحها في مصر اذا أُقيمت بصورة رسمية وحكومية كما حدث في ماليزيا، مفسراً هذا بعدم قبول المصريين لمسألة الاجبار من الدولة للأفراد، وبوجود تراث مصري رافض لكل ما هو حكومي، بالإضافة إلى عدم تبني المصريين هذه القضايا بشكل جاد.

التوكل الخاطئ

ومن أكثر المفاهيم الاجتماعية التي يرى د. السعيد أنها مدمرة ومؤخرة للمجتمع المصري وقد تؤدي لفشل محاولة نشر هذه الدورات، إنتشار فكرة التوكل بشكل خاطئ، فالفكرة السائدة هي أن «الإنسان لا ينبغي أن يستعد للمستقبل ولكن يؤمن بمصيره ويتوكل على الله» ولكنه يعود ويؤكد أن تبني مؤسسات المجتمع المدني لهذه الدورات ونشرها على نطاق واسع يمكن ان يؤتي ثماره، كما حدث مع عدد من الجمعيات الأهلية مثل «رسالة» التي استطاعت إعادة الثقة والحماس للعمل التطوعي وشارك فيها آلاف الشباب، وأشار إلى أهمية نشرها على نطاق واسع والإعلان عنها وعن أماكن إقامتها في التليفزيون، والاستفادة من التأثير الإيجابي ودرجة القبول لبعض الشخصيات العامة التي يمكن أن تتبنى الدعوة لتنظيم وحضور هذه الدورات.
وعن تدريس العلاقات الخاصة بين الزوجين في هذه الدورات يرى د. أحمد عبد الرحمن ـ أستاذ علم الأخلاق بالجامعة الإسلامية بماليزيا سابقاً ـ أن تدريس هذه العلاقات من خلال الدورات لا بأس به، بل إنه مندوب ومطلوب، ولكنه شدد على أن تكون مادة هذه الدورة مستقاة من كتاب علمي موثق يشترك في وضعه لجنة على أعلى مستوى من علماء الدين والاجتماع والطب وعلم النفس والتربية، على أن يكون القرآن والسنة هما المرجع الرئيسي، وأكد على اهمية انتقاء المحاضرين من ذوي الأخلاق والسمعة الحسنة.
0 تعليقات

إرسال تعليق